حظي عبد الرحيم بوعبيد، إلى جانب بعض رفقاء دربه في ”الاتحاد “وحتى أيام ”الاستقلال”، بشعبية غير عادية، تفوق ما يمكن أن يصل له زعيم حزب أو أحد وجوهه البارزة .قد يتساءل البعض ما هو السبب؟ وفي الواقع، ليس هناك سبب بل أسباب. أبرزها، كما ذكَّر بذلك الراحل عبد الرحمان اليوسفي في واحدة من خرجاته الأخيرة والنادرة، أن المغرب من الدول القليلة في العالم التي نالت استقلالها دون أن توصل محرريها للحكم. لو كان الأمر كذلك، لحظي ”السي عبد الرحيم”، كما يسميه أتباعه، بشرف الرئاسة دون غيره من منافسيه .لأنه كان يتوفر على خصال رجل الدولة بامتياز .حتى في نقط ضعفه وعلى قلتها، فقد كان يحسب لكل شيء ولا يؤمن بالمغامرة الفردية. يناور ويحاور. يتأنى ولا يستعجل. وكانت له شبكة علاقات واسعة، متنوعة، دولية، فيها، كما يقول المثل الشعبي، ”البلدي والرومي”، أي العصري والتقليدي، الثائر والثابت، الملكي والجمهوري..
في مغرب الحماية، كان المحاور الأول للفرنسيين لأن ثقافته وتكوينه وأسلوبه يخول له ذلك. دون أن ننسى بطبيعة الحال فصاحته وتحكمه في أدوات القراءة والفهم عند الغير. وفي مغرب الاستقلال، كان شخصية محورية بامتياز، كمثل التقاطع الطرقي الذي يمر عليه الجميع ولو اختلفت بل واصطدمت اتجاهاتهم. ليونته ولباقته ودبلوماسيته جعلت خصومه ينعتون سياسته بـ”شعرة معاوية “التي لا يثبت لها حال، ولا تغلق أي باب. ولعل نقطة ضعفه هاته تعتبر، عكس ما يبدو، من أهم نقط قوته. لأنها من أبجديات الممارسة السياسية الذكية والبراغماتية. إيمانه بالاشتراكية وبضرورة التغيير لم يمنعاه من التقرب من الآخر والتعامل معه، أي الواقع السياسي والثقافي للمملكة. وكان في الوقت نفسه الخيط الوحيد الذي لا يمكن قطعه داخل حزبه والذي كان ضروريا لاستمرار التعايش بين التيارات والتوجهات وحتى طباع الناس و”الرفاق” المتضاربة.
ولعل الثابت والضابط الوحيد لدى بوعبيد كان هو وطنيته واعتبار المصلحة العليا فوق كل شيء. اليوم وقد مرت ثلاثون سنة عن رحيل الزعيم، يبدو المشهد السياسي كاليتيم، شبه خالٍ بعد انقراض الساحة الحزبية من رجال دولة من درجة بوعبيد، يجمعون بين الماضي والحاضر، والنخبة والشعب، والحاكم والمحكوم، والأصالة والتحرر، يمدون يدهم للجميع لأن الجميع يحترمهم، ولا يمارسون الإقصاء.
كريم البخاري
تتمة المقال تجدونها في العدد 99 من مجلتكم «زمان»