لا يمكن فصل نشأة الزوايا بالمغرب عن نشأة التصوف وخصوصا الشعبي منه. من الضروري من أجل ذلك العودة إلى جذور هذه الظاهرة التي ظهرت في بلاد الغرب الإسلامي في ظروف سياسية وحضارية خاصة.
وُلد التصوف المغربي، حسب المؤرخين، في حدود القرن الثاني عشر الميلادي. لم تكن الزوايا معروفة بعد، بل كان الحديث يدور فقط عن رجال أتقياء، يخشون الله ويعتقدون بوجوب الزهد في الحياة المادية بما يفيد الابتعاد عن الدنيا وما تحمله من تقلبات مادية .وقد كانت تلك قاعدة يلتزمون بها بصرامة .هذه التقاليد تعود في أصلها إلى ممارسات دينية سبقت الإسلام، مثل المانوية، والمسيحية، بل والبوذية… وغيرها من الديانات التي ظهر فيها عباد اختاروا العزلة والانقطاع إلى الصلاة وذكر اسم لله (الذكر). ولكن، ما دام أن الظاهرة كانت تخص أقلية من الأفراد المتناثرين في أرض لله الواسعة، فإن التعامل معها كان يمكن أن يتم على أساس أنها تهم أفرادا ليس إلاَّ .لكن ما حدث في القرن الثاني عشر، في المغرب والأندلس، هو قيام حركة مرابطية حقيقية استقرت في كامل المنطقة المعروفة باسم الغرب الإسلامي والتي أصبحت تستقطب أعدادا هائلة من الناس .فرضت الظاهرة تغيير نظرتنا لها. قد يُقال إن هذا قد حدث سابقًا في تاريخ المغرب .ألم يكن المرابطون في بدايتهم مجرد أتقياء اعتكفوا في الرباطات وتفرغوا للصلاة؟ نعم، لكن مع بعض التوضيحات. فعبد الله بن ياسين، مؤسس مشروع المرابطين، كانت مهمته تعليم القرآن ومبادئ الإسلام الأولية لسكان أمازيغيين بالكامل .ولم يدّعِ يومًا أي قداسة. بل إن السكان الذين لحقوا به في عزلته في عمق الصحراء، إنما كانوا يسعون لتعلّم القرآن، حسب ما يرويه المؤرخون. ورغم أن مهمته التعليمية تحولت سريعًا إلى قيادة سياسية وعسكرية، فإنه حافظ دائمًا على سمعته مرشدا دينيا، لا صوفيا روحانيا. لقد تحوّل المرابطون إلى محاربين، وشكلوا القوة العسكرية التي قامت عليها الدولة المرابطية، لكن الرباط، وفق هدفه الأول، كان يقوم بدور في أسلمة المجتمع وتعليمه أصول الدين.
موليم العروسي
تتمة المقال تجدونها في العدد 140 من مجلتكم «زمان»