عندما أصبح محمد الإدريسي العلمي المشيشي وزيرا للعدل في سنة 1993لم يكن محترف سياسية، بل خبيرا أكاديميا في القانون الجنائي .لكنه واجه التحدي الأكبر في حياته المهنية، وهو وجود إدريس البصري. في حديثه هذا مع ”زمان” يكشف المشيشي، كواليس هذا الصراع وشهادته على هذه الفترة، بالإضافة إلى بوحه حول مساره الأكاديمي وخبرته في مجالي العدالة والصحافة.
أنت خبير في العدالة، ولكن أيضا في الصحافة، وهذان المجالان يتصدران أحيانا الأخبار في المغرب مع استمرار محاكمات الصحافيين. ما رأيك؟
ببداية، أود أن أوضح أنني لا أتحدث مطلقا إلى وسائل الإعلام عن الأحداث الجارية. لست مطلعا على تفاصيل الملفات، وفوق كل ذلك، أنا لست قاضي لكن، للإجابة عن سؤالك، أعتقد أنه من الضروري أن نتذكر أن العلاقة بين الصحافة والعدالة هي مصدر للصراعات في جميع أنحاء العالم. لذا في هذا الصدد، لا يوجد مجتمع مثالي .ولكن قبل العودة إلى هذه الخلافات الكلاسيكية، يبدو من المفيد أن نقول إن هاتين الهيئتين تشتركان في عدة نقاط .العدالة والصحافة كلاهما مهتمتان بالإنسان ولكن من زاويتين مختلفتين: العدالة تحكم الانضباط وتضمن الالتزام بالقانون النافذ، وتقع على عاتقها مهمة الكشف عن الاعتلال المجتمعي وتقويمه .العدالة هي أيضا الملاذ الأخير لحل النزاعات عندما تكون الأطراف المتنازعة غير قادرة على حل خلافاتها بنفسها. وعندما يقول العدل كلمته، فمن الطبيعي أن يكون هناك رابح وخاسر، وهذا الأخير يتبنى رد فعل طبيعي ويلوم القضاء على قرار لا يلبي مصلحته. ولهذا السبب، فإن هذا المجال معقد بالفعل ولن يكون قادرا على إرضاء الجميع، مهما تطورت المجتمعات. أما الصحافة فإن اهتمامها الأساس بالإنسان هو حريته. ونقول أيضا إن حرية الصحافة هي أم الحريات كافة. وهذا الحق الأساس هو جوهر جميع الحريات الأخرى. ومع ذلك، فإن المثل الأعلى لحرية التعبير الكاملة لن تكون أبدا مثالية للقانون والعدالة الموجودين على وجه التحديد للتحكم في الحريات وتحديد حدودها. وبينما يسعى البعض إلى توسيع هذه الحرية قدر الإمكان، فإن دور الآخرين هو تحديد حدودها، والنتيجة إذن حتمية .لقد كانت الصحافة والنظام القضائي منخرطين دائما ضمن ميزان القوى، وهكذا هو الحال في المغرب، أو فرنسا، وفي الولايات المتحدة الأمريكية.. وعلى أساس هذه الملاحظة، ليس هناك سوى حل واحد، هو السعي إلى التهدئة بين الطرفين في غياب القدرة على التوفيق بين طبائعهما المتعارضة. وبالنسبة لإسهامي المتواضع، فقد سعيت لذلك منذ الثمانينات برفقة الراحل العربي المساري على وجه الخصوص. ومن خلال إنشاء جمعيات مختلفة، حاولنا توضيح القانون للصحافيين، وأيضا وبالمثل، توعية موظفي العدالة بأساسيات الصحافة. ويجب أن أعترف أن هذه المهمة كانت هي الأصعب.
هل النزعة المحافظة أكثر انتشارا في جانب العدالة؟
من الواضح أن القانون نفسه يشجع المحافظة، فالمجال القانوني هو آلة لتكوين المحافظين. إن عوامل تطور المجتمعات دائما ما تأتي من مكان مختلف؛ قد يكون المجتمع المدني أو الأحزاب السياسية أو الجهات الفاعلة الأخرى القادرة على التأثير في السلطة العمومية. وبعد تعديل القوانين يمكن للعدالة أن تمتثل للتطورات.
حاوره يونس مسعودي
تتمة المقال تجدونها في العدد 135 من مجلتكم «زمان»