ككل سنة من شهر ماي، تحتفل المؤسسة العسكرية بتخليد ذكرى تأسيسها. في هذه السنة احتفلت القوات المسلحة الملكية بذكراها الـ68 لكن مع تغيير جديد، هذه المرة سيطال المستوى الفكري لمنظومتها التعليمية.
أضحت البلاد تعرف مؤخرا العديد من الاضطرابات على المستوى الحدودي الفاصل بين المملكة وبين عناصر انفصالية جنوب البلاد .وقد شهدت المعارك القائمة بين الفينة والأخرى سقوط ضحايا من الجانبين، تصدت لها القوات العسكرية المغربية بحزم وصدت نعرات الجبهة الانفصالية. مثل هاته الأحداث وغيرها، أضحت القوات العسكرية مدركة جِدية الأمر وخطورته، نظرا للخلافات الدبلوماسية بين راعي البوليساريو (الجزائر) وبين المغرب، ولهذا عززت المؤسسة العسكرية، في السنوات الأخيرة، آلياتها بأحدث التقنيات من درونات وأسلحة متطورة وما إلى ذلك. لكن يبدو أن المغرب لم يكتف بإنجازاته وانتصاراته في الواقع الميداني، بل رسم نهجا جديدا على المستوى الداخلي للمؤسسة العسكرية، يشمل مفاهيم الأمن والدفاع نفسها. ولهذا الغرض، استغل عاهل البلاد، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، مناسبة هذا الاحتفال السنوي، لإعطاء تعليماته لتغيير مناهج التكوين العسكري، «مع الحفاظ على القيم الأصيلة والتقاليد العريقة». وقال في رسالته إلى الضباط وضباط الصف والجنود، إنه نظرا لما يعرفه العالم اليوم من «توترات مقلقة وتحولات سريعة غير مسبوقة، تتجسد في التقاطبات واختلاف التحالفات وتزايد احتمالات الحرب في مناطق مختلفة عبر العالم»، فإن ذلك يفرض «إعادة التفكير في مفاهيم الأمن والدفاع، وضرورة تكييف البرامج والاستراتيجيات مع تعاظم التهديدات والتحديات، مما يستوجب مسايرة هذه الوضعية والتأقلم معها». الأكيد أن المؤسسة العسكرية تواكب أحدث التقنيات وما تجود به الساحة العلمية في هذا المجال، لكن من أجل تأهيل العنصر البشري كذلك وجعله جاهزا ومستعدا لأي طارئ، أمر الملك بعملية «تقييم شامل لمناهج التكوين وبرامج التدريب العسكري لكافة الجنود بمختلف مستوياتهم، بغية بعث دينامية جديدة في نظم ووسائط التعليم، وملاءمتها مع التحولات الجديدة»، وكل ذلك بما يقتضي «تبني فكر متجدد واعتماد طرق مبتكرة في الميادين العلمية والتكنولوجية والذكاء الاصطناعي».
يبدو أن هذا التغيير المنهجي، يستجيب بالفعل إلى الظروف واحتمال تعاظم التهديدات، ويستوجب مسايرة الوضع كما قال الملك، لكنه من جهة موازية يراعي الإقبال الذي أضحت تعرفه المؤسسة العسكرية، في السنوات الأخيرة، والدليل على ذلك تزايد أعداد الشباب الراغبين في الالتحاق بمنظومة التجنيد تماشيا مع الخدمة العسكرية التي أقرها المغرب منذ سنة .2018
ومن أجل احتواء كل هذه التغيرات الجديدة وإنجاح العمل بها، سيتم إحداث مؤسسة تجمع كل مؤسسات التكوين، وهي الكلية الملكية للدراسات العسكرية العليا، التي تعتبر «كقطب جامعي مندمج، يحتضن كل مدارس التكوين العسكري العالي لضباط القوات البرية والجوية والبحرية والدرك الملكي، ويضمن تعليما متكاملا طبقا للمناهج والتقنيات الحديثة المتطورة ومنفتحا على الفضاء القاري والدولي». من جهة أخرى، يذكر أن المغرب يحتضن منذ عقدين من الزمن، ما يعرف بمناورات الأسد الافريقي، التي تتم بتعاون بين الجيش المغربي والقوات الأمريكية. وتجري هذه التدريبات بعدة مدن مغربية، مما جعل المملكة تطور من مهاراتها العسكرية وتصبح على أهبة الاستعداد لأي مستجد إقليمي أو دولي.