تسلل وباء الطاعون من الشرق إلى المغرب في قوافل التجار وركب الحجيج، وتسبب فيما يشبه إبادة جماعية وسط المغاربة. نفس السيناريو تكرر مع وباء الكوليرا أو «بوكليب».
لم تكن الأوبئة التي أسهمت، إلى جانب المجاعات، في تحديد الواقع الديموغرافي لمغرب ما قبل الاستعمار، بالشيء الجديد الطارئ على هذا البلد، الذي ارتبط استقرار نموه البشري بمحددات طبيعية، وقد عجز، لحدود هذه الفترة في التحكم فيها. فالوباء ضارب في القدم، وساق في طريقه إلى الحتف جماعات وأفرادا من شعوب وأمم مختلفة، اختلفت في تمثله والتعامل معه، بين اعتباره قضاء وقدرا أو عقابا إلاهيا. ولما كان الفشل مصير العديد من محاولات درئه أو التصدي له أو الشفاء منه، فقد كان طبيعيا أن يتم استبطان ثقافة سلبية في التعامل معه، مما جعله قادرا على اختراق مجالات جغرافية واسعة، متحركا في ركاب المتنقل من بني البشر الذي ينقل معه العدوى. هكذا، أخذ وباء الطاعون طريقه من الشرق، عبر البر حينا وعبر البحر أحيانا أخرى، متسللا بين قوافل التجار تارة وبين ركب الحجيج تارة أخرى، قبل أن ينتشر بين مختلف جهات المغرب عبر آليات مختلفة، متسببا في هدر ديموغرافي مهول في كثير من الأحيان. نفس السيناريو تكرر مع وباء الكوليرا الذي عرف عند المغاربة بالريح الصفراء أو بوكليب، والذي شكلت بلاد البنغال ودلتا الغانج بيئته الحاضنة بامتياز، قبل أن ينتقل منها إلى مختلف جهات العالم، ويصل إلى المغرب عبر تجار أوروبا أو حجاج المشرق، محدثا نزيفا سكانيا فظيعا.
الطيب بياض
تتمة المقال تجدونها في العدد 12 من مجلتكم «زمان»