في هذا الحوار، نتعرف على تاريخ العلاقات بين المغرب وسوريا منذ القدم .ويفصل لنا الباحث المتخصص في تاريخ البلدين بلال الداهية، التقاطعات المبكرة بين أهل الشام والمغاربة، كما يوضح لنا الإسهامات العديدة للمغاربة في شتى المجالات في زمن الإمبراطورية العثمانية، وصولا إلى علاقة المملكة بنظام البعث السوري، الذي دعم الجزائر وجبهة ”البوليساريو “قبل أن يسقط في نهاية سنة 2024.
إلى أي تاريخ تمتد العلاقات والصلات المبكرة ما بين المغرب وبلاد الشام؟
من المؤكد أن الاشتراك بين المغرب والشام في الانتماء إلى المجال المتوسطي كان سببا في وجود علاقات قديمة بين الطرفين تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث ما زالت الدراسات العلمية تثبت وجود روابط بين قسم من المزارعين الأوائل في المغرب وبين مزارعي بلاد الشام. ومع بداية العصر التاريخي القديم، كان وصول الفينيقيين إلى شمال إفريقيا كما هو معروف قادمين من سواحل بلاد الشام. واشترك الطرفان في الانتماء إلى الإمبراطورية الرومانية عدة قرون، فضلا عن وجود نفوذ بيزنطي في شمال المغرب كما كان الحال في الشام. وحينما قدم المسلمون إلى المغرب فاتحين، كان قسم مهم منهم من الجند الشامي في العصر الأموي، وتعززت الروابط أكثر مع ظهور الدولة الفاطمية في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي واستعانتها بعصبية مغربية في بناء جيشها، حيث امتلأت الشام في فترة حكم الفاطميين بالجنود المغاربة من المصامدة والصنهاجيين والكتاميين، وأسس هؤلاء إمارة بني عمار الكتامية في مدينة طرابلس الشام.
وكانت الحروب الصليبية بعد ذلك عاملا حاسما في زيادة عدد المغاربة الوافدين على بلاد الشام في العصرين الزنكي والأيوبي، وقد أسهم بعضهم في معارك مهمة دفاعا عن أرض الشام، وظهرت بسالتهم في القتال البري والبحري معا، وكان لهم دور كبير في الدفاع عن دمشق التي حاصرتها الحملة الصليبية الثانية عام 543 هـ لتنهزم أمام أسوارها، وهي المعركة التي استشهد فيها الشيخ يوسف الفندلاوي المغربي أحد أبرز علماء الفقه المالكي في زمانه، وكان لهم دور في استرجاع القدس بعد معركة حطين عام 583 هـ حيث أقطعهم الأيوبيون الأرض المجاورة للحرم القدسي لتشكل نواة “حارة المغاربة“ الملاصقة لحائط البراق، واستعمل الظاهر بيبرس المغاربة في عملية تحرير الساحل السوري من الصليبيين، وتحتفظ السيرة الشعبية للملك الظاهر باسم “الرايس أبي بكر البطرني الطنجاوي“ محرر اللاذقية، والذي ما زال قبره وحي كامل يعرف باسمه على شاطئ البحر في هذه المدينة السورية. وفي العصر المملوكي تحديدا، أخذ وجود المغاربة في دمشق بعدا أكثر “تنظيما“ حيث أصبحت هناك تجمعات بشرية للمغاربة، و“زاوية“ لهم في حي الشاغور الدمشقي تأسست بجوار حارة “مرقص السودان“ في القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي. كما أن مساواة المماليك بين المذاهب الفقهية الأربعة في القضاء أتاح لعدد كبير جدا من المغاربة الهجرة إلى دمشق وتولي مناصب قضاء وفتوى المالكية فيها، نظرا لقلة أتباع المذهب في الشام ومصر.
بغض النظر عن أرض الأندلس التي تعايش فيها الجميع، هل استقرت عائلات مغربية هناك في الشام في هاته الفترة؟
لا شك في ذلك .هناك أسر مغربية استقرت في الشام يعود وجودها إلى العصرين الأيوبي والمملوكي بالخصوص، مثل عائلة “الزواوي“ التي توارثت مناصب القضاء والفتوى المالكيين مدة مهمة، ومثل أسرة “العَلَمي“ التي سكنت القدس وضواحيها وانتقل فرع منها إلى دمشق، والتي تنسب إلى “جبل العَلَم“ حيث ضريح الإمام عبد السلام بن مشيش. وتحتفظ كتب التراجم باسم عائلة “الصنهاجي“ في دمشق منذ زمن مبكر وإلى حدود نهاية العصر المملوكي حيث استمر بعض أفرادها في شغل مناصب قضائية ودينية.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 136 من مجلتكم «زمان»