يثير موضوع حجاب المرأة دوما جدلا لا يتوقف، بسبب ما اشتبك فيه من ديني وثقافي واجتماعي، وارتباطه بأوضاع المرأة ومركزها داخل المجتمع، وظهوره بقوة مع حركات الإسلام السياسي، مما يجعل من المهم البحث عن أصول الحجاب وتاريخه، سواء عند الحضارات التي سبقت الإسلام، أو عند المجتمعات الإسلامية التي يشكل فيها الحجاب رمزية دينية واجتماعية. فما هو تاريخ الحجاب لدى الحضارات التي سبقت الإسلام؟ وما موقعه لدى الديانات السماوية السالفة؟ وكيف بدأت قصته بعد ظهور الإسلام؟ وكيف كان لباس المرأة بالمغرب عبر التاريخ؟ وما هي التحولات التي عرفها الحجاب المغربي إلى غاية ظهوره كأحد أبرز مظاهر التدين؟
لم يكن حجاب المرأة أول ظهوره في تاريخ البشرية عبادة دينية، بل وجدت له أصول عند مختلف الحضارات القديمة، سواء عند المصريين القدماء حيث كانت النساء المصريات يرتدين الحجاب خوفا من اعتداء الجنود الهكسوس عليهم، ولما قام رمسيس الثالث بالانتصار عليهم وتمكن من طردهم، أصدر قرارا برفع المرأة لنقابها دون خوف أو فزع، أو عند الآشوريين الذين كانوا يمنعون المرأة من الظهور وعدم الخروج إلا نادرا، وإذا خرجت من بيتها كان عليها وضع نوع من الطبقة على شعرها، بحيث تعرف مكانتها الاجتماعية من خلال شكل حجابها، فالملكة ترتدي التاج على رأسها، والوصيفات يضعن حجابا فقط دون زينة الشعر، فيما النسوة الحرات يرتدين العباءات التي تظهر الوجه فقط.
ولما احتل الآشوريون عددا من البلدان خصوصا بمنطقة بلاد النهرين إلى الهلال الخصيب، لم يسمحوا للنساء بالخروج وألزمنهن بالبقاء في البيت أسيرات، وفي حالة خروجهن أرغمن على وضع الحجاب، واستمر هذا الوضع إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وانهيار الدولة الآشورية وانتهاء حكمها على يد البابليين.
لم يختلف الأمر كثيرا عند البابليين وواضع قوانينهم حمورابي، بل كانت القوانين أكثر تشددا، فالمرأة العاهرة إن ضبطت محجبة يتم إعدامها، والمرأة المتزوجة إن كشفت عن شعرها خارج بيتها تعدم أيضا، فكان الحجاب وسيلة للتمييز بين العاهرة والمتزوجة، لدرجة أن المتزوجة إذا خرجت دون تغطية شعرها عوملت معاملة العاهرة وسقطت حقوقها.
محمد عبد الوهاب رفيقي
تتمة المقال تجدونها في العدد 124 من مجلتكم «زمان»