أحيانا، يمكن أن تجعل الصدفة، وحدها، أحداثا تقع في اليوم نفسه، لكن في سنة مختلفة. وقد يفصل بين الحدثين عقود من الزمن، غير أنهما يمكن أن يشتركا في الكثير من التداعيات رغم العامل الزمني. مثلا، ماذا يربط بين يوم 16 ماي 1930 الذي صدر فيه الظهير البربري، و16 ماي الآخر الذي مس الدار البيضاء، القلب النابض للمملكة، ذات جمعة من عام 2003؟
اختلفت الحدثان في التوقيت وفي طرق التعبئة، غير أنهما اشتركا في توحيد بلد بأكلمه، وفي تكاتف المغاربة جنبا إلى جنب، لكن أيضا في إنتاج أسباب التشدد وسط هاته الجهة أو تلك.
جاء صدور الظهير البربري في وقت كانت فيه وسائل التواصل ضعيفة، بل كان التفكير في التكنولوجيات الحديثة، كما هي عليه اليوم، أقرب إلى قصص أفلام الخيال العلمي. لذلك، لم تكن التعبئة ضده بالسرعة المطلوبة في الانتشار وحشد الدعم.
غير أن مجموعة من الشباب المثقف استشعرت خطر التقسيم بين العرب والأمازيغ عبر ذلك الظهير، وانطلق كل واحد منهم إلى المساجد والمدارس القرآنية لإعلام الناس بالخطر الداهم. وبدأت مسيرات تخرج في المدن بعد كل صلاة، يُقْرأ فيها “اللطيف”، ويُسْأل الله “اللطف فيما جرت به المقادير، لا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابر”.
في النهاية، ورغم الحصار الذي فرضته سلطات الحماية الفرنسية، تمكن أولئك الشباب من توحيد المغاربة حول القضية، وحظيت احتجاجاتهم بتعاطف خارج الحدود، خاصة بين الأوساط القومية العربية.
غير أن تعاطف العالم بعد 16 ماي 2003 كان، بكل تأكيد، أوسع نطاقا وأكثر عفوية وربما أكثر صدقا، لأنه وقع في وقت أصبحت فيه الطرق السريعة للاتصال والتواصل تشتغل على مدار الساعة. وفي وقت أصبح “إرهاب”، لا يعترف بالحدود، يهدد العالم. كان الحدثان نتيجتي انحراف في زمنيهما: زمن استعمار أعمى، وزمن تطرف ديني مدمر.
ولأن الوحدة يمكن أن تتسبب في خلافات أيضا، اختلف الوطنيون الأوائل، الذين توحدوا ضد الظهير، ودخلوا في معارك أُريقت فيها الدماء، واستمرت لوقت غير قصير بعد الاستقلال، لأن كل واحد كان يعتقد أنه يملك الحقيقة والصواب.
على هامش 2003، قررت الدولة “شد الحزام”، وبالتالي سد آفاق جيل جديد حالم بمجتمع حر وحداثي وديمقراطي.
لقد صنع “الامتحانان”، معا، تاريخ البلد، وأثبتا أن ما يمكن أن يجمع، يمكن أن يفرق، باختلاف القناعات والتقديرات طبعا.
أي نتيجة
View All Result