أذاق محمد بنعبد الكريم الخطابي الأعداء الإسبان ويلات الحرب. كان لا يخرجهم من هزيمة إلا ليجرعهم هزيمة أخرى على يد رجال غير منظمين في جيش، لكن تحركهم قضية. استعمل الجيش الإسباني، المُدَرب وفق تكتيكات المدارس الحربية الأوربية الحديثة، كل الأسلحة المتوفرة وكل الخطط العسكرية، غير أنه كان كل مرة يصطدم بوقائع تفند النظريات المدرسية، حين تصطدم على أرض التطبيق.
في الجهة الأخرى أو في مربع الخطابي، أصبح الحلم يكبر، والطموح “لن يقف إلا في فاس”، كما أشاع الخصوم. بمعنى أن رجال الريف أصبحوا يهددون، بالفعل، العاصمة الشريفية وأسباب وجود الحماية الفرنسية في المنطقة الأخرى.
هنا، كان لا بد لِباريس أن تتحرك، لمساعدة جارتها “المعذَبة”، وأن تحرك رجالها وعدتها وعتاداتها الثقيلة وطائراتها، إلى جانب طائرات الإسبان، لقنبلة الريف بغاز الخردل والأسلحة الكيماوية. لم تستثنِ تلك الحرب القذرة المدنيين العزل، شيوخا وأطفالا ونساء. وكان من الطبيعي أن تتغير موازين القوى مع دخول قوة أخرى سبق لجنودها أن جربوا وخبروا، تلك الأسلحة، في ساحات الحرب العالمية الأولى.
أصبح أمام الخطابي خياران: إما أن يستمر ويدعي البطولة التي لا تعرف الهزيمة، أو الاستسلام لحقن ما تبقى من الدماء.
اختار “أسد الريف”، يوم 27 ماي 1926، أن يحط السلاح، لكن بشرط أن يستسلم للفرنسيين، وليس للإسبان، أي أنه حتى في استسلامه عمد إلى أن يستصغر أعداءه. فقد قبِل أن يغادر عشه في جبل “أمقران” (الجبل الكبير) ليسلم بندقيته إلى الضابط الفرنسي المسؤول عن الشؤون السياسية في مدينة تازة، وفق مراسيم لا تقلل من قيمته كـ”خاسر حرب”، وأيضا وفق شروط استسلام غير مهينة، تنص على أن لا يُسَلم أبدا للإسبان، وهي الشروط التي تضمنها الاتفاق الموقع، رسميا، يوم 30 ماي من العام ذاته. هكذا، أسدل الستار على قصة مقاومة تداولها الناس بكل الألسنة، بعدما نفي الخطابي إلى جزيرة لاريينون، وتوزع وزراؤه في أنحاء مختلفة من المغرب، لكن بعيدا عن الريف.
أي نتيجة
View All Result