تعتبر المؤرخة التونسية حياة عمامو أحد أبرز الوجوه الفكرية في الساحة العلمية المهتمة بما يطلق عليه ”الإسلام المبكر .”في هذا الحقل العلمي الذي يستعصي على كثير من الباحثين العرب والأجانب، استطاعت عمامو أن تقتحمه مبكرا منذ تتلمذها بين يدي المفكر والمؤرخ الراحل هشام جعيط، فسارت على خطاه ودربه. في هذا الحوار، تجيب حياة عمامو عن أسئلة ومحاور متعددة، من بينها الإشكاليات الكبرى لكتابة تاريخ المسلمين منذ حياة النبي محمد وأصحابه وبزوغ فكرة توسع المسلمين، عن طريق الغزو أو الفتح، وكذلك موضوع أسلمة شمال إفريقيا وبلاد المغرب. المؤرخة في جعبتها الكثير كما يُعرف عنها، ولهذا كان اللقاء فرصة للخوض في موضوع الإسلام وتمازجه المبكر بحضارات البونيقيين والرومان والديانات الأخرى، وبثقافات أخرى ما يزال يحتفظ بها الأمازيغ، هذا بالإضافة لحديثنا عن توجهات الكتابة التاريخية بتونس قبل الاستعمار وبعده .ولم نفوت الفرصة للكشف عن رأي المؤرخة فيما تمر به بلادها، وعن الحلم الذي بدأ منذ ثورة الياسمين.
في البداية، وقبل أن نخوض معك في مسارك الأكاديمي والقضايا الفكرية والتاريخية، وباعتبارك مؤرخة تونسية بارزة، كيف تصفين وضع تونس بعد 13 سنة من ثورة الياسمين.. هل ما يزال الحلم مستمرا؟
لا يمكن لأي إنسان أن يعيش بدون حلم، ومع ذلك يمكن القول بأن حلم التونسيين بالانعتاق وتحقيق العدل في توزيع الثروة والمساواة في الحصول على الحقوق لم يعد له نفس الألق الذي كان عليه الأمر سنة 2011 وحتى بعدها ببضع سنوات. ويمكن تفسير تراجع الأمل عند التونسيين في تحقيق شعار ثورتهم ”شغل، حرية، كرامة وطنية”، بعدم إدراك كل الذين تولوا السلطة بعد بن علي، بكافة تلويناتهم السياسية، للمعاني العميقة لهذا الشعار، فاكتفوا بتغيير إدارة السلطة، ولم يهتموا بتغيير جوهرها ولو بصفة طفيفة. ولذلك، لم يتغير أي شيء في حياة الناس، ولم يتحقق ولو جزء بسيط من أحلامهم. وما زاد في عدم ثقة التونسيين في إنجازات السياسيين بعد الثورة هو اختزالهم للديمقراطية في جانبها الشكلي المتمثل في الانتخابات باعتبارها عملية تقنية بحتة، فقل إقبالهم عليها، وتحولت المؤسسات المنبثقة عن الانتخابات إلى أوعية فارغة لا تعبر إلا على أوهام أصحابها. ونتج عن كل هذا تفويت فرصة ثمينة للتغيير من أجل تحقيق تنمية عادلة ومستدامة بين الجهات والطبقات الاجتماعية، لأن منوال التنمية الذي وقع اعتماده بعد الاستقلال، هو إرث استعماري وإملاءات من المؤسسات المالية العالمية والاستثمارات الأجنبية. هذا المنوال لا يلائم بلادنا ولا إمكانياتها الطبيعية التي وقع إهدارها دون تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، ولا حتى التوازن بين قيمة صادرات بددت الثروة الطبيعية ولوثت المحيط، وقيمة واردات لم تفعل سوى تشجيع الاستهلاك الذي يفتقد لأية حوكمة.
هل يعيد المؤرخون التونسيون كتابة تاريخهم بعد “تحررهم” من قيود ما قبل الثورة؟
أنأ لستُ من دعاة إعادة كتابة التاريخ، لأن إنتاج المعرفة حسب رأيي سواء تعلق الأمر بالتاريخ أو غيره من المعارف هو مسار طويل تتعدد فيه المناهج والمقاربات والخلفيات، وهو ما يؤدي إلى تراكم معرفي متعدد المشارب، يمكنه أن يُنتج مع مرور الوقت إنتاجا علميا نوعيا يؤسس لمدرسة تاريخية تونسية، وهذا لم يتحقق في تونس إلى حد الآن. إن نفي دراسات تاريخية سابقة مغرقة في الإيديولوجية المهيمنة لا يفيد البحث العلمي في أي شيء، وأعتقد أن ما يُفيد هذا البحث فعلا هو تناول هذه الأبحاث بفكر نقدي ومنهج علمي يضعها في إطارها التاريخي الذي أنتجها، مع ضرورة تجاوزها وتبيان تهافتها الذي لا يستقيم مع ما حدث فعلا. تقوم المعرفة التاريخية حسب رأيي على تجميع كل ما يتعلق بالموضوع المدروس، بما في ذلك الدراسات ذات التوجه الإيديولوجي، ثم تفكيكها وإعادة تركيبها بما يتراءى للدارس أنه الأقرب إلى ما وقع فعلا. ولا تتجدد هذه المعرفة إلا من خلال الاكتشافات الجديدة المتعلقة بمختلف المصادر أو النظريات الجديدة التي لا تبرز إلا عن طريق التراكم المعرفي.
حاورها غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 122 من مجلتكم «زمان»