تنامت هجرة المغاربة بشكل كبير وملفت خلال القرنين الأخيرين، وذلك لعدة أسباب وأحداث وتقلبات. في هذا الحوار، يكشف الباحث المتخصص خالد أوعسو دواعي تلك الهجرة وسياقاتها، وكذلك دور الحماية في عمليات ”التهجير”، فضلا عما ترتب عن كل ذلك في مغرب الاستقلال.
بشكل عام، هل يمكن أن نتحدث عن هجرات في تاريخ المغرب تحكمت في بنية المجتمع وتركيبته؟
أولا لكم مني كل الشكر، وعبركم أحيي طاقم المجلة على مجهوداتهم خدمة لقضايا المعرفة الإنسانية. ثانيا، كما تعلمون، الهجرة ظاهرة كونية، حيث يصعب الحديث عن الكائن الإنساني دون استحضار الهجرة. إنها بمعنى من المعاني قدر التاريخ .وبغض النظر عن الدوافع المحددة لفعل الهجرة، فالأكيد أن المغرب كمجال جيو–استراتيجي ولاعتبارات مركبة (تاريخية – جغرافية – سياسية)… عرف هجرات في اتجاهات متعددة سواء بوصفه بلدا مصدرا أو مستقبلا. وفي هذا الإطار، يمكن الإحالة إلى هجرات القبائل العربية خلال العصر الوسيط، وكذا الهجرات الأندلسية والزنجية في المرحلتين الوسيطية الحديثة، أيضا الهجرات الاستيطانية خلال المرحلة المعاصرة .في المقابل، شكل الفضاء المغربي بدوره مجالا لانطلاق هجرات غطت كل المراحل التاريخية بدرجات متفاوتة سواء في اتجاه المشرق أو إفريقيا أو نحو أوربا .وعليه، فالثابت هو الهجرة والمتحرك هو الشكل والسياق الذي يحكمها.
وككل التحركات البشرية، فالأمر لا يتعلق بأفراد وجماعات منعزلة أو بكيانات ثقافية جامدة بل بنظام علائقي ينتج مفعوله، ولعل النقاش الدائر اليوم حول هوية المغاربة وكذا الأسس الإيديولوجية للحركة الوطنية والمحددات الثقافية للسلطة السياسية دليل على حركية الهجرة وعلى آثارها.
ألم يكن النص الديني والفقهاء يشجعون على السفر والهجرة إلى خارج المغرب؟
الأكيد أن علاقة المرجعية الدينية بالهجرة يصعب استيعابها خارج محديين: يتعلق الأول بالإطار العام الضابط “للحكم“ الشرعي بغض النظر عن مصدره “قرآن – سنة“، أما الثاني فيرتبط بالسياق الذي يحكم تفسير وتأويل “المرجعية الدينية“. فإذا كان جليا وجود العديد من الضوابط الشرعية التي تتحدث عن منافع التنقل وفوائده، وكذا عن الأسفار والهجرات التي لا ينصح بها والتي تتضمنها العديد من المصادر (الشافعي – الطغرائي – بيرم التونسي) بشكل يجعل فعل التنقل من زاوية شرعية مؤطرا بالأحكام الخمسة من وجوب وندب وإباحة وكراهة وحرمة، فإن واقع الحال يبرز بجلاء أن الشرع لم يكن محددا في إحجام المغاربة أو إقدامهم على الهجرة والتنقل؛ ففي كثير من الأحيان، اضطلعت الغاية من التنقل بدور حاسم في ذلك، الشيء الذي جعل الموقف الفقهي نفسه مرنا خاصة مع اتساع دائرة التفاعل وتعقده مع أوربا والذي شمل قطاع التجارة البينية والمخالطة والسفارة واستئجار المراكب للحج، وغيرها.
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 93 من مجلتكم «زمان»