تجد تجليات العنف أو “الحـﮕـرة”، الذي تمارسه السلطة ضد الأفراد، جذورها في الماضي. يختلف فقط الإسم، أما المعنى فهو واحد.
«الحـﮕـرة» هي إحساس الإنسان بالظلم وعدم الإنصاف، والحرمان من الاستفادة من الخيرات الاقتصادية، وكذا الشعور بالإقصاء والتهميش والدونية أمام جهاز يحتكر كل السّلط، ويمتلك صلاحيات تُخَوِّلُ له تصريف عنفه على هذا الإنسان المقهور الذي يبقى عاجزًا عن رفع هذا الظلم بمختلف أشكاله سواء لقوة الآخر، أو لتواطؤ البنية الثقافية والاجتماعية التي تمنع الإنسان من المطالبة بحقوقه، أو في غياب مؤسسات تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية وإحقاق الحق ونصرة المظلوم. فهذه الصُّور المتعددة لمفهوم “الحـﮕـرة” نجد لها جذورا في أزمنة ماضية، كما أن جغرافية حضورها تتوزّع على أمكنة متعددة بالمغرب المرابطي والموحدي. في المراحل الأولى لقيام دولة المرابطين، وأثناء ضمهم لبعض مناطق المغرب تحت سلطتهم، يخبرنا ابن أبي زرع، في كتابه “روض القرطاس”، عن اجتماع نخبة من فقهاء منطقة سجلماسة ودرعة وصلحائها ومراسلتهم للزعيم المذهبي للدولة المرابطية عبد لله بن ياسين، وكذا زعيمها السياسي الأمير يحيى بن عمر اللمتوني وأشياخ المرابطين، يُخبرونهم، من خلالها، عن رغبتهم في الانضمام إلى حركتهم، مستنجدين بهم من أجل «الوصول لبلادهم ليُطَهِّروها ممّا هي فيه من المنكرات وشِدَّةِ العَسْف والجُور، وعرَّفُوهم بما هم فيه بها أهل العلم والدِّين وسائر المسلمين من الذُّلّ والصّغار والجُور مع أميرهم مسعود بن وانودين الزناتي المغراوي».
تقدم هذه الإشارة المصدرية جانبا من معاناة سكان سجلماسة ودرعة، وإحساسهم بالظلم الذي كان يمارسه عليهم الحاكم الزناتي الذي كانت تخضع له منطقتهم، فكان ذلك دافعا وراء مساندتهم للدولة المرابطية حوالي منتصف القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي. ويُلاحظ، من خلال ما ذكره صاحب “القرطاس”، أن الظلم الذي تعرّضت له ساكنة سجلماسة ودرعة لم يكن ليسْتَثْنِي فُقهاءها الذين كانوا يُصَنَّفُونَ ضمن دائرة النخبة المثقفة في المجتمع.
محمد العمراني
تتمة المقال تجدونها في العدد 38 من مجلتكم «زمان»