من هم الرجال الذين حلقوا في فضاء الحسن الثاني وساعدوه بطريقة أو بأخرى على صنع القرار؟ ما هي جغرافيتهم الفكرية والسياسية؟ كيف استقطبهم وكيف استعملهم؟ ثم ما هي نوعية العلاقة التي كانت تربطهم بالملك الراحل؟ هل منهم من ارتقى إلى درجة “صديق “بالمعنى الكوني للكلمة، بعيدا عن ضوابط وفرامل البروتوكول الرسمي؟
كان التحكم، الذي يمارسه الحسن الثاني، منفتحا على العديد من الحساسيات والتيارات وشخصيات تتدفق من “جغرافيات“ ثقافية وسياسية مخلفة .يمزج ولا يخلط .يربط عند الضرورة السياسي بالأمني، الثقافي بالديني، والاقتصادي بالدبلوماسي .يقارن و“يَزِن“، يخمن ويجرب، حتى يستقر على “التخليطة“ التي يبحث عنها ولا أحد يملك سرها سواه. إنها الحكمة أو الطريقة الحسنية، إن صح التعبير. يضع رجالاته في خانات ودوائر، كل حسب تخصصه ونوعية العلاقة التي تربطه بالملك .وهذا الأخير يتصرف كقائد الأوركسترا، عينه على الجميع، يترقب كل حركة، ويلتقط كل “نوتة“، يضبط الإيقاع ويوزعه، حسب “النغمة“ المنشودة. كان الراحل يؤمن بمقولة الرجل المناسب في المكان المناسب، ولكل مقام مقال. لنأخذ بعض الأمثلة؛ لما تضطرب العلاقات مع عبد الرحيم بوعبيد، كان الملك يلجأ لقناته المفضلة، ألا وهي محمد عواد، لتمرير رسائله. لماذا عواد من دون غيره؟ لأنه “سلاوي“ مثل بوعبيد. ولما كان يريد التشاور مع شخصيات غير “مدنية“، أي عسكريين وأمنيين، كان يجمع بين الجنرالين عبد الحق القادري (الذي سير المخابرات الخارجية “لا دجيد“ لما يناهز عقدين)، وحسني بن سليمان. لماذا القادري وبن سليمان دون غيرهما، لماذا سار الرجلان يشكلان “ثنائيا“؟ لأنهما ينحدران من المدينة نفسها، أي الجديدة! بالإضافة طبعا لتقاسمهما بعض الصفات والمواصفات .ولا عجب إن كان عدد لا يستهان به من الأمنيين الذين عينهم الحسن الثاني، أو قام بترقيتهم لاحقا، ينحدرون بدورهم من المدينة أو المنطقة نفسها..
كريم البخاري
تتمة المقال تجدونها في العدد 91 من مجلتكم «زمان»