أحاط الحسن الثاني نفسه بدائرة واسعة من الشخصيات، وإن كان بعضها يتنافر مع الآخر. اختلفت توجهاتها ومهماتها بين حملة السيف والقلم، وبين من اختاره الملك مستشارا…
طبع الملك الحسن الثاني المغرب الحديث بميسمه، واعتمد على رجالات منهم من واكب ملكه، منذ بدئه، ومنهم من لفظته ملابسات السياسة، وبخاصة من الأمنيين، ومنهم من التحق بالركب، وأصبح بعدها وجها ساطعا. لم يكن مُلك الحسن الثاني مُلكا عاديا، فهو ثاني ملك في الدولة العلوية من حيث مدة الحكم، إذ دام ملكه قرابة أربعة عقود، لا يتجاوزه في هذه المدة سوى السلطان مولاي إسماعيل، وهو ملك بزغ عقب فترة متميزة بعد أن انسلخ المغرب عن الاستعمار، وبرزت حينها تحديات جمة، أولها تثبيت السلطة، وترسيخ قواعد الحكم، وإرساء منظومة، واستكمال الوحدة الترابية وتحقيق التنمية. وهو ملك عُرف بحنكته ودهائه وسعة اطلاعه وثقافته وفصاحته، في عصر الراديو والتلفزيون. كان رهان الملك صعبا في ظرفية مضطربة، كانت تفترض إرساء نموذج، استوحى منظومة الحماية واستعمل آلياتها، ولكن بذات الوقت يرتبط بالتقليد التاريخي، بالنظر إلى طبيعة المؤسسة الملكية وتجذرها التاريخي، ولم يكن من اليسير هذا المزج، إذ كانت المعارضة تعيب على الملك الإغراق في التقاليد، أو استحداثها، وتنتقد المنظومة المخزنية، مثلما تنتقد ما كانت تسميه بمغربة الحماية .ولم يكن رهانا هينا، أمام معارضة قوية، وهزات اجتماعية عنيفة، وسياق دولي مضطرب يطبعه التقاطب بين محورين دوليين، ومحاولات انقلابية. كان الرهان هو استتباب الحكم أمام معارضة قوية وشرسة، ذات امتدادات عريضة في المجتمع والهيئات المدنية، مدعومة بإيديولوجيا مؤثرة، يسارية وقومية. ولذلك، اعتمد الملك على دائرة، من المقربين، تدرأ الأخطار التي تتهدد المنظومة، وتمزج بين القوة والدهاء، وتطبع توجهاته، وخياراته السياسية والاقتصادية والثقافية، وتتماشى مع أسلوبه، وتحافظ على طبيعة المنظومة وتاريخها وطقوسها.
حسن أوريد
تتمة المقال تجدونها في العدد 91 من مجلتكم «زمان»