دخل المغرب، عبر إماراته الأولى التي اعتنقت دين الإسلام، في صراعات مع الخلافات الناشئة في المشرق .وحين أطلق بنو أمية، انطلاقا من عاصمتهم دمشق، حملات للفتح أو التوسع في اتجاه الغرب، استقبلهم أمازيغ المغرب بمقاومة شرسة .بل إن ميسرة المطغري، زعيم أمازيغ النكور، فجر ثورة ضد الولاة الأمويين بشمال إفريقية، بدعم من الخوارج الصفرية الذين لجأوا إلى المغرب خوفا من بطش الأمويين .وكان المطغري قد بويع كـ”أمير للمؤمنين”، لفترة قصيرة، قبل أن يقتل. على غرار إمارة النكور، ظهرت بالمغرب إمارات أخرى في سجلماسة وتامسنا وفاس… وكلها حاولت، بدرجات متفاوتة، النأي عن الخلافة المشرقية. واستمرت هذه الإمارات قائمة إلى حين تمكن المرابطين من الحكم، وتأسيس أول دولة مركزية، عاصمتها مراكش .لكن وإن كانت هذه الدولة بقيت على ولائها لـ”بني العباس”، إلا أن مؤسسها يوسف بن تاشفين لقب بـ”أمير المسلمين وناصر الدين”. لكن الأمور ستتغير مع وصول الموحدين الذين لم يعترفوا بخلافة العباسيين ولا الفاطميين، معتبرين أنفسهم الأحق بحكم باقي بلاد الإسلام. سيحتدم الصراع أكثر حول الخلافة بين السعديين والعثمانيين الذين كانوا يحكمون إمبراطورية شاسعة الأطراف، تمتد من شبه الجزيرة العربية إلى أوربا وشمال إفريقيا. غير أن ذلك لم يشفع لهم عند السعديين الذين كانوا يستندون إلى أن الأدبيات الفقهية السنية «تشترط في الخليفة أن يكون قرشي النسب، وهو ما لا يتحقق في السلاطين العثمانيين»، حسب منظري الدولة السعدية. استمر الصراع، أيضا، مع السلاطين العلويين المنتسبين لآل البيت، وبالتالي الأحق بـ”إمارة المؤمنين”. يستعرض هذا الملف منظور المغاربة، حكاما وفقهاء، إلى قضية الخلافة والإمارة، ومن لهم الأحقية: هل نحن؟ أم المشارقة.
منذ تربعهم على رأس الخلافة الإسلامية وإقامة عاصمة حكمهم بدمشق، لم يتوقف بنو أمية عن توسيع دولتهم وبسط نفوذها إلى أقصى الأراضي الواقعة بشمال إفريقيا، حتى بلغوا المغرب، ثم عبروا منه إلى شبه الجزيرة الإيبيرية (الأندلس) واستوطنوا بها. ووجدوا خلال مسيرتهم تلك، مقاومة شرسة من طرف سكان المناطق الإفريقية بسبب وجود كيانات وديانات وإثنيات متنوعة قبل أن يبسط موسى بن نصير وطارق بن زياد نفوذهما على العدوتين. وعلى إثر الخلاف الذي وقع بين ابن نصير وابن زياد ورجوعهما إلى دمشق للاحتكام لدى الخليفة الأموي، برزت غايات وطموحات سياسية واقتصادية في المغرب والأندلس، فضلا عن تأويلات عقدية للدين، فنشبت صراعات بين بعض الكيانات جعلت بعضها يستقل عن حكم الأمويين، ويؤسس إمارته الخاصة، فسميت تلك الفترة في المغرب بـ“عصر الإمارات“، وهو عصر سبق وجود دولة مركزية سيتزعمها المرابطون وينهوا التشرذم السياسي والديني بالمغرب. فكيف إذن نشأت هذه الإمارات، وما علاقتها بالدول الإسلامية الأخرى، وتحديدا بالخلافات التي ظهرت في المشرق أو المحاذية لها أو في الأندلس؟
هيئة التحرير
تتمة المقال تجدونها في العدد 113 من مجلتكم «زمان»