لم تنل العيطة الملالية حظها من الاهتمام الجماهيري، إذ اعتبرت مجرد تنويع متفرع عن عيوط أخرى، والحال أن لها ميزاتها، وأيضا رموزها. هنا أبرز نماذجها.
أنجبت منطقة تادلة أصواتا إبداعية متميزة، من أمثال مباركة البهيشية ودامية الكريم وبنات بعيكر والعبوبية والغالية وحفيظة، وأخريات كانت لهن المكانة في وسط قبيلة بشساعتها الممتدة إلى الحوز جنوبا، وزعير شمالا، والشاوية غربا، وجبال الأطلس المتوسط شرقا. ولم تشكل الفنانة المبدعة عائشة كريم، المعروفة بعائشة “الكارم” رائدة العيطة الملالية، استثناء وسط من سبقنها. تعتبر عائشة “الكارم” من بين الفنانات التقليديات اللواتي برزن في البادية المغربية، في فضاءات الزراعة والرعي والترحال، والتي ظلت في علاقة وطيدة بها معتزة بهويتها.
لقد تشبعت “الكارم” بأشعار وألحان العيطة الملالية، وهي في أحضان أمها التي تكن لها التقدير، لما لها من فضل على مسارها الفني، بعد استقرارها بمدينة بني ملال مع أختها الفنانة المتألقة دامية عازفة الكمان، التي كان لها صيت كبير في أداء متن العيطة، رغم أنها لم تنل حقها من التدوين. باحتكاك عائشة بأوساط العيطة في بني ملال، صار لها حس فني رفيع وذوق موسيقي جمالي راق. لقد كانت انطلاقتها غريبة، شيئا ما، عن باقي الشيخات الطباعات في المغرب، حيث شاءت الأقدار أن ترافق أختها دامية إلى مدينة الدار البيضاء لإحياء حفلة لأحد الأعيان والفتاة في ريعان شبابها، فأعجب بها الباشا إدريس لحريزي وقرر الزواج منها، وهي لا تتعدى 14 سنة. استقرت “الكارم“، في حياتها الجديدة بمدينة سطات، وخلال هذه الفترة، تعلمت العزف على آلة العود، ومهن أخرى كالخياطة والطبخ، على يد إحدى نساء الباشا لحريزي. فكان دافعها وإصرارها قويين، وهي تتحدى الصعاب خصوصا أنها من وسط فقير، حتى أصبح حلمها يكبر مع مرور السنين، مما جعلها تتقن العزف على آلة العود التي صارت جزءا منها.
عبد السلام غيور
تتمة المقال تجدونها في العدد 29 من مجلتكم «زمان»