يصنَّف المفكر عبد السلام بنعبد العالي من بين المفكرين الذين أرسوا معالم التفلسف في المغرب، بعد جيل عزيز الحبابي وعبد الكبير الخطيبي وعابد الجابري وعبد الله العروي، فهو إلى جانب الراحلين سالم يفوت ومحمد سبيلا اشتغل مبكرا في حقل الترجمة، أي ترجمة وانتقاء النصوص الفلسفية وتقريبها إلى القارئ العربي والمغربي، وذلك في زمن كان فيه النص الأجنبي الفرنسي بالخصوص يفرض نفسه بقوة .في هذا الحوار، نخوض مع ضيف العدد، الذي نادرا ما يجري حوارات، في جوانب شخصية من مسيرة هذا المفكر وبداياته الأولى وتنقله بين الرياضيات والفلسفة. كما يحدثنا عن بعض القضايا اليومية التي تشغل بال المغاربة لكن برؤية فلسفية.
اسمح لنا في البداية أن نسألك: لماذا أنت مُقلّ في اللقاءات الحوارية، وربما لا تخوض في الحدث اليومي وتعلق عليه كما يسهم مثقفون آخرون؟
فيما يتعلق بالفلسفة أفضّل دوما الارتباط بالمكتوب. حتى عندما أشارك في ندوة، أو ألقي كلمة فلا يكون ذلك إلا عبر قراءة ما كتبت. لنقل إنني لا أرى الفلسفة مجرد “دردشة“. فالصياغة اللغوية، في نظري جزء من إعمال الفكر. المبنى محدّد للمعنى، فلابدّ إذاً من نحت الصياغة اللغوية وانتقاء ألفاظها، وسبكها في عبارات أميل إلى الدقة، وربما إلى جمالية التعبير. فضلا عن ذلك، فإن الحوار التلقائي يجرك، مع من تحاوره، إلى استهلاك الأسئلة المطروحة في الساحة، كما يقال، والابتعاد عن توليد السؤال، والحال أن هذا بالضبط، على ما أعتقد، هو ما هو منوط بالفكر الفلسفي أساساً. لا يعني هذا الابتعاد عن الحوارات الصحافية ابتعادا عن الحدث اليومي وعدم انشغال به. ربما كان همّي الأساس في معظم ما أكتب هو هذا الحدث بالضبط.
وهل في نظرك مهمة المفكر تقوم على تحويل اليومي إلى شأن فلسفي أو تحويل الفلسفة إلى شأن يومي؟
شكل الاقتراب من اليومي يختلف بالنسبة إلى رجل الصحافة، أو إلى المحلل السياسي، أو الباحث الاجتماعي أو الفيلسوف. عندما أكتب: «إن شكل الممارسة الفلسفية الذي أحاول أن أنهجه هو أقرب إلى نوع من “سيميولوجية للحياة اليومية“، فإني لا أقصد ارتباطا باليومي الاختباري، ولا بأخذ مواقف من حدث من الأحداث وما يسمى قضايا الساعة، وإنما تحليل الدلائل والعلامات التي ينطوي عليها الحدث على غرار ما نجد ذلك في كتابات أمبرطو إيكو أو ميشال دوسرتو، أو رولان بارت»…
لا يعني ذلك بطبيعة الحال ابتعادا مطلقا عن الوجه الأكاديمي للفلسفة، وعدم استثمار مفهوماتها في ملاحقة المعاني التي تزخر بها حياتنا اليومية، والتي تتجلى في ملاعبنا الرياضية، ومطابخنا، وملابسنا ومعمارنا…
حاوره غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 126 من مجلتكم «زمان»