ما الذي يعرفه المغاربة عن علاقة أجدادهم بالحب؟ يستوجب الجواب عن هذا السؤال الخوض في موضوع قلما ينتبه إليه الباحثون .في هذا الحوار، يقدم الباحث والمؤرخ عبد الله بوصوف، الذي يشتغل على الموضوع، جوانب من حياة المغاربة قديما في علاقتهم بالحب في مختلف المناطق وبمختلف فئاتهم، بالإضافة إلى ما سطروه في موضوع الحب: إما شعرا أو حكاية أو أسطورة أو موسيقى.
عندما نقرأ عن موضوع الحب ونحاول تتبع تاريخه وتمظهراته في المغرب، نلاحظ أن المصادر لا تخصص له حيزا وافيا. وقد اشتهر الشرق بقصص وحكايات عن الحب والعشق، بينما نكاد لا نجد مثيلها في المغرب .لماذا في نظرك تغيب مصنفات للحديث عن الحب والتأريخ له؟
هذا الظاهر، لكن عند التمحيص والتدقيق سنجد أن الأمر غير ذلك، فعند الحديث عن المصنفات التي كان موضوعها الحب والعشق إلى حدود القرن 14م لا ينبغي أن ننسى “طوق الحمامة في الألفة والأُلاف“ لابن حزم الظاهري الذي عاش في القرن 10م، وهناك مصنف يمكن إدراجه في هذا الباب وهو كتاب “بغية الرائد فيما في حديث أم زرع من الفوائد“ للقاضي عياض صاحب كتاب “الشفا في التعريف بحقوق المصطفى“، الذي عاصر الدولتين المرابطية والموحدية، القرن 12-11م، وله قصائد نظمها في العشق، وهو الذي يقال عنه: “لولا عياض ما عرف المغرب“، وبعده نجد الإمام ابن عربي الصوفي في القرن 12م، له على الأقل ثلاثة مؤلفات: “ديوان الأشواق“ و“ترجمان الأشواق“ خصصه لمدح نَظَّام بنت شيخ الحرم المكي، زاهر بن رستم الكيلاني، التي عرفها في مكة سنة 598هـ عندما قدم إليها لأول مرة من المغرب، وقد ذكره الأستاذ عبد لله كنون في كتابه “أدب الفقهاء“، فقال عنه: «فيه كل معنی بدیع من شعر الغزل والنسيب والحب الإلهي»، وشرحه في الكتاب الثالث الذي سماه “فتح الذخائر والإغلاق شرح ترجمان الأشواق“.
في فترات من تاريخ الغرب الإسلامي، نقرأ كثيرا عن وجود شاعرات وشعراء في الأندلس تغزلوا ببعضهم وعبروا عن حبهم (ابن زيدون وولادة وحفصة…) بينما غاب أمثالهم في المغرب أو كادوا . هل ارتبط التعبير عن الحب والمصارحة به بأوضاع البلاد السياسية والمجتمعية (الرخاء والشدة)، أو بطبيعة الشعوب وخصوصيتها؟
لم يقف الأمر عند هذا الأمر، بل يمكن سحبه على ما يطلق عليه “الغزل بالمذكر“، فنجده كثيرا في الشعر الأندلسي ونادرا عند شعراء المغرب الأقصى، وتفسير ذلك يرجع إلى الأحداث التاريخية والتبادل الثقافي بين أوربا والأندلس، الذي يضمحل ويضعف كلما توجهنا إلى عدوة المغرب. فملوك الطوائف، كما يذكر عدد من المؤرخين، عرف عنهم عدم الصرامة في التقيد بالتعاليم الدينية. وكانت مجالسهم تعرف تحررا، وهو الذي امتد إلى مجتمع الشعراء، وكان قاعدة لانطلاق تيار جديد وجد بيئة حاضنة لا تنزعج من البوح بلواعج العشق والصبابة نحو الجنس الآخر. على عكس عدوة المغرب التي كانت تعرف محافظة إلى حد كبير، جعلت تبادل الأشعار بين الجنسين من الشعراء نادرا، وأخذ فيها شعر الغزل العفيف مساحة كبيرة تقاسمها كثير من الشعراء نذكر من بينهم الأمير أبو الربيع سليمان الموحدي (1207-1137م) الذي نظم سبعين قصيدة ومقطوعة، جاءت في ستمائة وأربعة أبيات، وسبق أن ذكرنا ديوانين شعريين في العشق لابن عربي.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 104 من مجلتكم «زمان»