لماذا كان من العرف أن تقوم النساء في البوادي والجبال بمعظم المهام؟ ولماذا صدرت فتوى الكد والسعاية (حق المرأة) في فترة معينة من التاريخ وغابت في فترات أخرى ؟
عرف المغرب في القرنين 14 و16 الميلادي اضطرابات متعددة، منها الحروب الطويلة، التي دارت بين الوطاسيين والسعديين وبين السعديين أنفسهم، والتي حصدت أرواحا كثيرة، انخرط فيها العدد الجم من الناس. كما عرف انتشار الأوبئة التي ذهب ضحيتها الكثير خاصة الرجال لكثرة تنقلهم واحتكاكهم بالآخر.
من جهة أخرى، تعرض المغرب في هذه الفترة للغزو الإيبيري، وكثرت حملات السلب والنهب خاصة في فترات ضعف السلطة المركزية، فكان أغلب المغاربة يلتجئون إلى الجبال ليحتموا بها، ولكن في نفس الوقت، كانوا يقيمون بمقربة من سفوحها رباطات يرابطون بها لرد الهجوم والدفاع عن النفس. فمن كان يشتغل بالأرض أثناء الغياب المتكرر والطويل للرجل لسبب أو لآخر؟ من كان يتحمل عبئ الأسرة في هذه الفترات؟
هكذا، وجدت المرأة، كلما تجددت ظروف مماثلة، نفسها مضطرة لتنوب عن الرجل في تحمل أعباء الأرض وما يرتبط بها، خاصة أنها أعباء لا تتحمل التأجيل. وكانت المرأة تقوم بذلك وهي فخورة لأنها تعتبره نوعا من الجهاد، وحماية للظهر من العدو. لذلك، انبرى الفقهاء لرد الاعتبار للمرأة نظرا للدور الريادي الذي كانت تقوم به، وللظرفية الحرجة التي كانت تمر بها القبائل في البوادي والجبال، حرصا منهم على الحفاظ على تماسك الأسرة واستمراريتها خاصة عندما بدأت تتعرض للتفسخ سواء بسبب توافد عناصر جديدة (المورسكيين)، أو بسبب تفشي بعض الظواهر غير الخلقية مما كان يهدد أمن واستقرار القبيلة واستمراريتها.
مع مرور الزمن، وتوارث هذا العرف من جيل إلى جيل، ترسخ كعادة، وأصبح ملزما للمرأة، لكنها لم تجد فقهاء مثل ابن عرضون يتصدون للحيف الذي كان يطالها، ويعيدون لها الاعتبار، ويقيمون دورها، فاستمر العرف والعادة، وذهبت فتوى الكد والسعاية أدراج الرياح.
من مقال حليمة عزاب/عدد 28 من مجلة “زمان” (النسخة العربية).