من أجل فهم التأثير الذي أحدثته الثورة الإيرانية في المجتمع المغربي، لا سيما الإسلام المغربي والحركي، يفصّل الباحث محمد أكديد في هذا الحوار ثنايا الموضوع، ويوضح لنا الامتداد الشيعي المبكر في المغرب منذ المولى إدريس الأول، وصولا إلى ثورة الخميني وما ترتب عنها على مستوى العلاقات الدينية والدبلوماسية بين المغرب وإيران.
بشكل مقتضب، هل يمكن أن نتعرف على طبيعة المذهب الشيعي وحضوره في المغرب عبر التاريخ؟
انطلق مسلسل اضطهاد الشيعة ومحاولات تشويه صورتهم والتعتيم على منهجهم مباشرة بعد تفرد معاوية بن أبي سفيان بالسلطة إثر اغتيال الإمام علي من طرف أحد الخوارج. ليستمر بعد ذلك في عهد يزيد بن معاوية الذي تورط في قتل الإمام الحسين مع عدد من أصحابه وأقربائه في كربلاء بالعراق، مما زاد من منسوب العداء بين شيعة العلويين وغالبية المسلمين الذين خضعوا لسلطة الأمويين. حيث لم تتوقف ثورات الشيعة بعدها ضد خلفاء بني أمية ومن جاء بعدهم من العباسيين والحكام المنحرفين عن منهج أهل البيت باعتبارهم مغتصبين للسلطة .وقد نجح بعضها في حين فشل البعض الآخر لتنتهي بقتل قادتها أو هروب آخرين، كالمولى إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الذي فر من موقعة فخ بعد انكسار جيش العلويين بقيادة عمه الحسين بن على (العابد) ضد العباسيين، ليلتحق بالمغرب الذي كان يشكل ملجأ للثوار ضد الحكومات المركزية في المشرق، حيث استقبل هناك استقبالا حسنا، فتنازل له حاكم القبيلة إسحاق بن عبد الحميد الأوربي عن الحكم وزوجه ابنته كنزة سنة 172هـ، كما ساعده في توحيد القبائل الأمازيغية لتأسيس إمارة علوية بالمغرب، هي الإمارة الإدريسية، ليلتحق به عدد كبير من علويي المشرق وشيعتهم، والذين كان لهم فضل كبير في تعميق الولاء لآل بيت الرسول صلى لله عليه وسلم لدى المغاربة. كما عرفت منطقة سوس ظهور حركة شيعية تزامنت مع فترة حكم الأدارسة، واستمرت مع مرحلة الحكم الفاطمي للمغرب الأقصى، تزعمها عبدا لله البجلي. سوف يستمر الحضور الشيعي في المغرب بعد الدولة الموحدية التي تسامحت مع الكثير من معتقداتهم التي استثمرها المؤسس محمد بن تومرت لإنجاح دعوته. حيث بقيت الكثير من مظاهر هذا التسامح والانفتاح بارزة من خلال عدد من الممارسات الشعبية والاعتقادات الرائجة بالمغرب.
ماذا عن مظاهر التشيع التي ما تزال لصيقة بتدين المغاربة؟
من بين مظاهر حضور التراث الشيعي في الإسلام الشعبي المغربي منح المغاربة لـ“لخميسة“ في بعض التعبيرات اسم “يد لالة فاطمة الزهراء“، والتي تحيل أيضا إلى الخمسة، عدد أصحاب الكساء الذين نزلت فيهم آية التطهير حسب التفسير الشيعي. ومن ذلك إطلاق المغاربة خصوصا منهم الأمازيغ، أسماء أهل البيت على مواليدهم، من محمد وعلي وفاطمة الزهراء والبتول والحسن والحسين والمهدي وزينب… وتسمية التوأمين بالحسن والحسين. ومن تقاليدهم أنهم يسّيدون اسم محمد وعلي وفاطمة، وقلّ ما يفعلون في غيرها. ويبقى إحياء المغاربة في الكثير من المناطق لذكرى عاشوراء الأليمة، من أبرز هذه المظاهر التي يجسدون من خلالها تضامنهم مع أهل البيت ومشاركتهم أحزان هاته المأساة، حيث يؤكد الدكتور عباس الجراري نقلا عن والده الفقيه عبد لله الجراري، عند جوابه عن سؤال استفتي فيه عن رأي الدين في جماعة من الناس، ما بين رجال ونساء وأطفال يقفزون فوق لهيب النار ونساء يرددن بلفظ واحد “بابا عيشور دليت عليك شعوري“. فأجابهم الفقيه أن هذه عادات أحدثها الشيعة كحزن منهم على مقتل الحسين بكربلاء وقد دخلت المغرب نتيجة استيطان عدد من الكيانات الشيعية فيه حيث نقلت معها عوائدها وممارساتها.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 133 من مجلتكم «زمان»