كان من حظ فقيه قروي من المغرب العميق أن رافق أحد الشرفاء الكتانيين لأداء مناسك الحج. وحين عاد الركب، كتب الفقيه مذكرات “لم يعرف لها مثيل من حيث القرب وتجربة الناس”.
عندما كان المؤرخ أحمد التوفيق بصدد إعداد أطروحته عن قبيلة إينولتان، خلال السبعينات من القرن الماضي، عثر بمدينة دمنات على مخطوط فريد من نوعه، هو عبارة عن نص لمذكرات فقيه قروي قال عنه أحمد التوفيق إنه «نص لا نعرف له مثيلا فيما كتبه المغاربة من حيث القرب من الواقع وتجربة الناس». ومما يضيف قيمة لهذه المذكرات أن صاحبها ضمنها أخبارا عن رحلته الحجازية تظهر بجلاء أن «المغرب العميق» لم يكن في يوم من الأيام معزولا عن العالم، فبالأحرى أن يكون معزولا عن بقية النسيج الوطني في أبعاده الثقافية والروحية.
نموذج «الطالب»
ولد محمد الغُجدامي، أو أغجدام كما يعرف محليا، نسبة إلى قبيلة غجدامة، حوالي سنة 1855 بقبيلة إينولتان، غير بعيد عن دمنات، عاصمة هذه القبيلة الأمازيغية الواقعة عند سفح الأطلس الكبير. وتقع دمنات إلى الشمال الشرقي من مراكش التي تعتبر الوجهة الحضرية لهذه البلدة. وسيرا على سُنة المتطلعين من أبناء البادية إلى التعليم، فقد حفظ محمد الغجدامي القرآن ثم تلقى القراءات القرآنية السبع والعشر ببلدته وبالقبائل المجاورة، قبل أن يتعاطى هو نفسه لتعليم القرآن لأبناء قبيلته وما جاورها من القبائل الأمازيغية والعربية، في إطار ما يسمى بـ«الشرط»، أي الالتزام بتعليم صبية القرية مقابل قدر من الغلة الفلاحية وعدد من المنافع مثل «مؤونة الفقيه» وغيرها مما يُتفق عليه مع أعيان القرية.
محمد المنصور
تتمة المقال تجدونها في العدد 77 من مجلتكم «زمان»