في عام ،1791قرر الأرستقراطي البولندي زيارة المغرب على عهد مولاي اليزيد. انتهز الفرصة لفك شفرة آليات السلطة لدى العلويين بروح من الدعابة، لكن الرحلة أثارت لديه الكثير من الذعر أيضا.
«أنا أول أجنبي جاء إلى هذا البلد كمسافر عادٍ. وعلى هذا النحو على الأقل، لن تكون رحلتي خالية تماما من الاهتمام». إذا كان جان بوتوكي، الأرستقراطي البولندي الناطق بالفرنسية، يبدو متواضعا للغاية عندما يصف نفسه بأنه «مسافر عادٍ بالمغرب»، فهذا يعني أنه يريد القطع مع أسلافه، الذين كانت كتاباتهم غير نزيهة تجاه «الشرق»، وينتصر لموضوعيته النسبية.
كان بوتوكي غريب الأطوار بعض الشيء، وهو الباحث الذي يتقن أكثر من مهنة ولغة، والرحالة والسياسي الذي لا يعرف الكلل، وإضافة إلى هذا كان شديد الحساسية أمام إشكاليات الغير، ويطمح إلى فهم الآخر دون إخضاعه لقيم أوربية غريبة عنه. «للأسف، حرص الرحالة الغربيون وضع النظارات التي أحضروها من بلادهم، وأهملوا تغييرها في البلدان التي حلوا بها»، يكتب في مؤلفه «سفر في إمبراطورية المغرب».
هل نجح في التغلب على هذه الأفكار المسبقة، والحفاظ على الحياد الراسخ وتجنب الصور النمطية والتجاوزات؟ لا، لكنه بالتأكيد ظل مسافرا «منفتحا ويسكنه التعاطف»، حسب اعتقاد سناء غواتي، الأستاذة في كلية الآداب بالقنيطرة، التي كتبت مقالا علميا عن هذه الشخصية.
في 2 يوليوز ،1791 غادر هذا اللورد البولندي الثري، الأندلس في اتجاه تطوان. يفيد العديد من المؤرخين أن آخر ملوك بولونيا، ستانيسلاس أوغست بوناتوفسكي، كلف بوتوكي بمهمة إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية مع الإمبراطورية المغربية. وبالفعل، لقد استقبل وجهاء المغرب بوتوكي بكل ما يليق به كضيف كبير، لكنه لم يذكر أبدا دوره كدبلوماسي في كتاباته.
كان هذا المسافر، دائما، ما يستغل مواهبه حتى يجد نفسه، على الرغم منه، في قلب كواليس السلطة. فقد كان عبور المضيق، أيضا، فرصة مثالية لهذا المغامر ليكتشف أخيرا المغرب الذي كتب عنه الكثير في العالم، خاصة من خلال ملكين كبيرين ميزا القرن الثامن عشر: مولاي إسماعيل وسيدي محمد بن عبد لله، اللذان كان محور أكثر الموضوعات جنونا في القصص التاريخية، التي تغذت بالخيال والأسطورة أيضا.
يونس مسعودي
تتمة المقال تجدونها في العدد 116 من مجلتكم «زمان»