ما تزال مؤسسة الزوايا في القرن الواحد والعشرين تحظى بعدة أدوار إزاء دورها الديني والتربوي، لذا ما تزال تثير العديد من التساؤلات في الحقول الأكاديمية، حول موقعها كفاعل تاريخي واجتماعي وربما سياسي. في هذا الحوار، يوضح السوسيولوجي المتخصص في هذا الموضوع محمد جحاح، تاريخ هذه المؤسسة وسياقات تشكلها ما بين القبيلة والمخزن، وصولا إلى راهنيتها وأدوارها في الوقت الحالي.
في البداية، ما هو سياق وعوامل ظهور الزوايا في المغرب، هل هي محددات دينية، أم سياسية، أم اجتماعية )قبلية)؟
في علاقة بالسؤال المطروح، فإن من بين المسلمات التي نعتبرها كمنطلق نرتكز عليه في إطار مقاربتنا لموضوع الزوايا بالمغرب، هي اعتبارها تنظيما Organisation قائما بذاته (مستقلا)، له بناؤه الخاص به وعقلانيته الخاصة وفاعلوه أيضا. وعلى هذا الأساس، يمكن تقديم مفهوم آخر للزاوية، غير المفهوم المتعارف عليه في الكتابات التاريخية والأسطوغرافية؛ بل وحتى من داخل بعض الكتابات الإثنوغرافية والإثنولوجية الفرنسية والأنجلوسكسونية. لقد أفرز التصوف الإسلامي بالمغرب، وعلاوة على بعده الروحي كمظهر لتجربة دينية، أنماطا من الممارسة والفعل السوسيو–تاريخيين؛ وذلك منذ تجربة الحكم المرابطي (القرن11م) وحتى صعود الدولة الشرفاوية (القرن16م). وإذا حاولنا تحديد هذه الأنماط والأشكال السوسيو–تاريخية التي تبلورت في إطارها، أمكننا الوقوف على ثلاث تنظيمات أساسية:
الرباط: (وفي إطاره يندرج الصلحاء والمرابطون). الطريقة: (وفي إطارها يمكن الحديث عن الطائفة والزاوية أيضا) .الزاوية: (باعتبارها التجسيد التاريخي/الميداني لذلك الدمج، أو بالأحرى التركيب الجدلي للأشكال السابقة).
ما هي الأدوار التي اضطلعت بها الزوايا بعيدا عن مركزية الحواضر، وبالتحديد في القرى والبوادي؟
في الواقع، نحن لا نسعى هنا إلى أكثر من محاولة إعطاء فكرة عامة ومركزة عن ذلك الحضور المتعدد والمتجذر أيضا للزوايا من داخل مجالها القبلي، وذلك من خلال تسليط الضوء على أهم الوظائف والتدخلات التي تمحور حولها نشاط الزاوية وإسهاماتها المختلفة من داخل هذا المجال. وفي هذا الإطار، فقد نجحت –وإلى حد بعيد– في مهمة الجمع والتوفيق بين مهام وأدوار مختلفة كانت تتوزع ما بين الديني، العلمي، والاجتماعي، والأمني، والاقتصادي والسياسي، وهنا بالذات يمكننا الحديث عن الزاوية بصفتها مركزا علميا ودينيا، والزاوية مركزا للإطعام والإيواء، والزاوية مركزا للاستشفاء والعلاج، والزاوية مصدرا للأمن والحماية، والزاوية مخزنا جماعيا تستخدمه القبائل لخزن الفائض من محاصيلها الزراعية، والزاوية حرما يلجأ إليه الهاربون من الثأر ومن ملاحقة المخزن، والزاوية قلعة للمرابطة والجهاد، والزاوية سلطة سياسية محلية (وأحيانا جهوية) للبث في أمور القبائل، والزاوية دارا للقضاء والتحكيم… إلخ .
حاوره غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 140 من مجلتكم «زمان»