أنهت معركة إيسلي عهد ثقة المغاربة بالنفس الذي كان يمتح من انتصار واد المخازن، وكانت، بحسب المؤرخين، هزيمة لاقتصاد القلة والكفاف، الذي يحارب بجيش من الجياع، أمام بورجوازية صاعدة.
كانت سنة 1815 تعني لفرنسا نهاية المجد النابوليوني إثر هزيمة واترلو، لكن أيضا إهانة وتطويق عقب مقررات مؤتمر فيينا، بما يتطلبه الأمر من إعادة اعتبار. وإذا كانت فرنسا قد أدت على المدى القريب ثمن النزوعات التوسعية لنابليون، فإنها عمليا راكمت تجربة عسكرية، ومراسا في الحروب، جعلاها قادرة على البطش من جديد متى سنحت لها الفرصة بذلك، خاصة بعد أن استوعبت الدرس جيدا، ورأت أن حروبها المستقبلية يجب أن تكون في المستعمرات مع دول تفتقر للخبرة والتقنية والعتاد العسكري.
كان هذا الرصيد الحربي بجيش عصري، وبخبرات عسكرية تم تصديرها للخارج أحيانا، في شخص لافاييط، مثلا، الذي ساهم في تحرير الولايات المتحدة الأمريكية، حافزا للتفكير في إطلاق دينامية استعمارية جديدة، تم تدشينها في عهد شارل العاشر بإعلان الحرب على الجزائر بمبرر الضربة الشهيرة بضربة المروحة في أبريل 1827. وكان لهذا التحرك الفرنسي نحو شواطئ شمال إفريقيا ما بعده، على اعتبار أن التوسع الاستعماري امتد كبقعة زيت، وصار بعض المؤرخين يحللون ما حصل لاحقا في كل من تونس والمغرب من منطلق «أكلت يوم أكل الثور الأبيض»، إذ سرعان ما انتقلت شرارة المواجهة العسكرية إلى شرق المغرب في موقعة إيسلي صيف سنة 1844 التي أزالت حجاب الهيبة عن المغرب، وأنهت عهد الثقة بالنفس الذي كان يمتح من انتصار واد المخازن. فما هي تداعيات هذا الغزو العسكري الفرنسي للجزائر على المغرب؟ وكيف انتصرت الخبرة والتسليح والتنظيم على العفوية والارتجال في معركة إيسلي؟
الحملة الفرنسية على الجزائر
كان لفرنسا ما يكفي من الأسباب لتقود حملة عسكرية على الجزائر، ظاهرها محاصرة الشواطئ الجزائرية للحصول على إرضاء مطالبها من الداي حسين وإعادة الاعتبار لشرفها الذي أهين بإهانة قنصلها، وباطنها إيجاد متنفس للأزمة الداخلية للحكم في فرنسا عبر بوابة البحث عن عدو خارجي، والقضاء على القرصنة، وإيجاد موقع احتلال استراتيجي بشمال إفريقيا يشكل معبرا للتوسع في مختلف الاتجاهات، لاسيما أن ما بعد مؤتمر فيينا كان يعني ترتيب البيت الداخلي الأوربي والانطلاق في مسلسل جديد من التنافس حول المستعمرات. وبحكم الجوار والروابط المختلفة والمصالح المتداخلة التي كانت تجمع بين المغرب والجزائر، كان طبيعيا أن تنعكس هذه المتغيرات على المغرب، وأن تدفعه إلى التفاعل معها واتخاذ التدابير التي قد تكون وقائية للحد من تضرره من هذا المستجد، مع ضرورة عدم الإخلال بما كان يعتبر واجبا شرعيا.
الطيب بياض
تتمة المقال تجدونها في العدد 4 من مجلتكم «زمان»