لم تؤد هزيمة المغرب في حرب تطوان أمام دولة هي الأضعف أوربيا إلى فقدان هيبة البلاد فقط، بل أغرقتها في أزمة مالية حقيقية في وقت كانت في حاجة ماسة إلى المال.
يرى إدموند بورك أن حرب تطوان دشنت في نظر مؤرخي المرحلة للحظة انعطاف في تاريخ مغرب القرن التاسع عشر. فإذا كان الانتصار الفرنسي في إيسلي ضعيف التأثير على المغاربة، فإن صدمة الهزيمة في تطوان أمام قوة أوربية هي الأضعف دفعت النخبة المغربية إلى مراجعة فهمها والتفكير مليا في الإصلاح. بينما يرى شارل أندري جوليان أن السلطان عبد الرحمان بن هشام (1822-1859) قرر اتخاذ مسافة بينه وبين القناصل، وذلك بعدم التواصل معهم مباشرة، مكتفيا بالاتصال بهم عبر دار النيابة بطنجة، بغية الحد من الضغوطات الدبلوماسية. لكنه عجز في الوقت نفسه عن مراقبة تحرك أهالي منطقة الشمال الذين كانت تصلهم بعض الأصداء عما يجري بين النواب في طنجة، في وقت عانوا فيه من الاستفزاز المتكرر للإسبان بسبتة، فقامت عناصر من قبيلة أنجرة بتحطيم مركز حراسة إسباني، فادعت إسبانيا أنها ضربت في كبريائها بعد مساس المغاربة برموزها الوطنية من خلال تمزيق علمها الوطني، فكانت تلك ذريعتها لإعلان الحرب على المغرب.
الأسباب العميقة للحرب
انهارت سمعة المغرب العسكرية لأول مرة في تاريخه المعاصر عقب هزيمته في معركة إيسلي، ولما كانت فرنسا قد حازت مكاسب حيوية مهمة بمقتضى هذا النصر، وتمكنت بريطانيا هي الأخرى من تحقيق العديد من الامتيازات التجارية التي كفلها اتفاقها مع المغرب في عام 1856، فإن إسبانيا أخذت تطالب المغرب بأن يعترف لها ببعض الامتيازات مثلما فعل مع فرنسا وبريطانيا. في وقت أخذت فيه العلاقات الإسبانية المغربية تزداد توترا منذ عام 1858، وكان ذلك التوتر راجعا بصفة أساسية إلى الخلاف المستمر على سبتة ومليلية والجزر الجعفرية والتي لم تفتأ القبائل المغربية بالشمال تتحرك من أجل استرجاعها. بالإضافة إلى بعض الأسباب المستجدة منها رفض المغاربة دفع تعويض عن أسر سفينة إسبانية عام 1856، إلا أن هذا الرفض المغربي لم يكن إلا تعاملا بالمثل بعد أسر الإسبان لسفينتين مغربيتين. إثر ذلك دخل السفير البريطاني جون دراموند هاي على الخط لإيجاد حل بين الطرفين، يقضي بدفع التعويض الذي طلبه الاسبان عن فقدان سفينتهم، وترضيتهم بتسوية حدود مليلية، مقابل إعادتهم السفينتين المغربيتين المحتجزتين. ويعلق هاي على نتائج مبادرته بأن الطرف الاسباني رغم ما حازه من ترضيات، فإنه أصر على نهجه الاستفزازي الرامي إلى افتعال نزاع مفتوح مع المغرب خلال هذه المرحلة.
الطيب بياض
تتمة المقال تجدونها في العدد 4 من مجلتكم «زمان»