شكلت معادن الملح والفضة والنحاس والحديد أهم ثروات المغرب في العصر الوسيط، وكانت تندرج ضمن المبادلات التجارية مع الخارج.
لا تخبرنا المصادر التاريخية بمعطيات إحصائية حول حجم وكمّية الثروة المعدنية التي كان يتوفر عليها المغرب خلال العصر الوسيط، غير أنها في المقابل تعطينا معلومات تتعلق بخريطة توزيع هذه المعادن، وأحيانا أخرى تُزوّدنا بمؤشرات عن مدى كثرتها أو قلّتها في منطقة دون أخرى. وسنحاول رصد أنواع هذه الثروات انطلاقا من الدور الذي كانت تضطلع به في تنشيط الحياة الاقتصادية بالمغرب خلال الحقبة المدروسة. بصيغة أخرى، سنحاول الكشف عن أنواع الثروات المعدنية من خلال بنية المبادلات التجارية للمغرب، سواء على مستوى صادراته، أو على مستوى نشاط مبادلاته التجارية عبر مناطق المغرب الأقصى. وسنعمل، في السياق ذاته، على تتبّع خريطة توزيع هذه الثروات المعدنية، أو ما يصطلح عليه بالتوزيع الجغرافي لمناطق إنتاجها خلال العصر الوسيط، وخاصة ما بين القرنين الثاني والسابع الهجريين/ الثامن والثالث عشر الميلاديين. تكاد تُجمع نصوص الجغرافيين الوسيطيين على قائمة المعادن التي شكّلت عماد الصادرات المغربية خلال العصر الوسيط، ويأتي في مقدمتها معدن الملح، المستخرج من مناجم “أوليل”، التي تبعد عن مدينة أودغشت في بلاد السودان (غرب إفريقيا حاليا) بمسافة شهر، هذا ما أشار إليه ابن حوقل في كتابه “صورة الأرض” خلال القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، وأكّده البكري خلال القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، الذي حدّد موقع هذا المعدن على الساحل، وأضاف معلومة في غاية الأهمية متعلقة بالجهة التي كانت تستفيد من استغلاله، المتمثلة في قبائل جدالة إحدى قبائل صنهاجة. ولم ينحصر الأمر في ذلك فقط، بل أفاد بكون معدن الملح هذا كان يتم تسويق إنتاجه خارج منطقة “أوليل”، مما يُفسّر أن قبائل جدالة كانت تستفيد من العائدات المالية المرتبطة بتجارة الملح.
محمد العمراني
تتمة المقال تجدونها في العدد 61 من مجلتكم «زمان»