بدأت الخريطة العلمية في بلاد المغرب والأندلس تتبلور مع المرابطين، ثم تطورت، نسبيا، على عصر الموحدين، قبل أن تدخل العلوم مرحلة أفول طويلة.
من العسير القول إن بلاد المغرب عرفت عصرا متطورا للعلوم خلال العصر الوسيط، تلاه عصر انحطاط، بقدر ما يمكن تبني الطرح الذي يرى أن بلاد المغرب والأندلس عرفت “طفرة” للعلوم إلى حدود القرن 7هـ/13م ثم دخلت المنطقة في تدهور تدريجي على مجموعة من الأصعدة كانت العلوم إحداها. معلوم أن بلاد المغرب نسجت العديد من معارفها وعلومها بتأثير من الشرق سواء عبر هجرات علماء من هذه المنطقة نحو بلاد المغرب، أو عبر زيارة المغاربة للشرق قصد التحصيل والاستزادة من المعارف، أو عبر انتقال الكتب من الشرق إلى الغرب. كان بديهيا، والحال كذلك، أن تكون إفريقية (تونس الحالية) أولى بلاد المغرب تأثرا بالعلوم المشرقية بحكم موقعها الجغرافي الأقرب إلى الشرق، وبرزت فيها حاضرة القيروان. ثم الأندلس، بالنظر إلى المكانة الحضارية التي تبوأتها، وسطعت فيها قرطبة، وكانت بدورها مجال استقطاب للعلماء، ومجالا لتطور العلوم لاسيما أنها كانت منفتحة عما يعتمل في غرب القارة الأوربية. وقد أسهمت السلط الحاكمة، القائمة آنذاك، في الحاضرتين في تعضيد مكانتها المتميزة على المستوى العلمي.
كانت الرياضيات من أبرز العلوم التي تم الاعتناء بها لِمَا كان للحساب من أهمية في الحياة الدنيوية والدينية على حد سواء، خاصة كتب الفرائض (المهتمة بأمور الميراث) التي يرجع بعضها إلى القرن 2هـ/8م، ليبرز بعدها علم الرياضيات من جبر وهندسة وهيئة وفلك خلال القرنين 4-3هـ/10-9م. ووجد الرياضيون في بيت الحكمة الذي أسسه إبراهيم الأصغر الأغلبي برقادة، خلال الثلث الأخير من القرن 3هـ/9م، ملاذا لهم، إذ ضمت هذه المؤسسة «إلى جانب الكتب العلمية والدينية المقتناة من الشرق، آلات فلكية حيث كان مؤسس بيت الحكمة شغوفا بالرياضيات عموما».
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 53 من مجلتكم «زمان»