عرفت الجزائر، خلال العهد العثماني، هجرة واسعة لعدد مهم من علمائها نحو مناطق عديدة من العالم الإسلامي، وخاصة إلى المغرب الأقصى ومنارته العلمية «فاس». وذلك ما شكل نزيفا للحركة العلمية في الجزائر. وقد تعددت الأسباب والدوافع التي دفعتهم إلى ذلك، وتركزت هذه الهجرة خصوصا في محور تلمسان-فاس.
كان التواجد العثماني بالجزائر عاملا أثر سلبا على الحياة الثقافية في الجزائر، فقد ركز الأتراك كل اهتمامهم على حركة الجهاد البحري وصد هجمات الأوربيين على السواحل الجزائرية، ولم يولوا الثقافة الاهتمام الذي تستحقه. فغلب على زمنهم الجمود الفكري والثقافي، وربما كان عدم إتقانهم للغة أهل البلد من بين أبرز الأسباب التي أنتجت هذا الوضع. وعموما فإن العثمانيين لم يكونوا من الأساس يحملون مشروعا ثقافيا، بحسب ما يعتقد كثير من المؤرخين.
«…ركزوا اهتمامهم على القرصنة والإتاوات والاحتكارات التي أخذت الجانب الأوفر من العناية لما تدره عليهم من فوائد مادية، فحال هذا دون إعطاء الجانب الحضاري الأولوية مقارنة بالجانب العسكري… نوعية الحكم المتوجهة أساسا إلى الجهاد البحري تركت الأمور الثقافية للمبادرات الفردية»، تشرح رشيدة سدري معمر، الباحثة في جامعة الجزائر في دراسة خصصتها للعلاقة بين العلماء والسلطة العثمانية. كان الوضع الثقافي في الجزائر، إذن، سلبيا متسما بالركود والجمود واجترار ما فات على الرغم من وجود العديد من المؤسسات الثقافية كالكتاتيب والمدارس والمساجد. في المقابل، انتعشت ظاهرة التصوف بشكل كبير في المجتمع الجزائري.
«لقد سيطر على الحياة الثقافية التصوف والدروشة والشروح على أعمال المتقدمين، فابتعد بذلك التصوف عن مفهومه الذي يعني الصلاح، والتقشف إلى الدروشة، وقد شاع حتى بين الفقهاء والولاة أنفسهم…
عماد استيتو
تتمة الملف تجدونها في العدد 60 من مجلتكم «زمان»