يقود الوهن المالي إلى التفكير في الحل الجبائي، الذي قد يفشل لسبب ما في سد العجز، فيلوح في الأفق جواب القرض، الذي ينتهي بالقضاء على السيادة. ذلك كان حال مغرب ما قبل الاستعمار.
كلما طال العجز مالية دولة ما، إلا وفكرت في البحث عن موارد ومداخيل جديدة، لسد الخصاص وتحقيق التوازن المالي المطلوب. وتتنوع السبل والوسائل التي قد تلجأ إليها كل دولة في التعامل مع عجزها المالي، بيد أن المدخل الضريبي يعتبر أول ترياق يتم التفكير فيه لعلاج داء الخزينة. في هذا الصدد أيضا تختلف الاجتهادات المقترحة لتوسيع الوعاء الجبائي، و”ابتكار” عائدات ضريبية قد تمس قطاعا معينا وقد تتعداه لتطال قطاعات متنوعة. لكن متى فشلت هذه المحاولات، قد يكون آخر العلاج الكي كما يقال، وهو في هذه الحالة الاقتراض من الخارج، مع ما يستتبعه من شروط المؤسسات المانحة، والتي قد ترهن سيادة البلاد. ذلك كان حال المغرب خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين. إذ نضبت الموارد، وتكالبت المحن والشدائد على البلاد، وتعمقت الجراح المالية، بالهزائم العسكرية، خاصة تلك التي تلتها غرامات، مثلما حدث بعد حرب تطوان، التي فتحت أول باب لاختراق السيادة المغربية من خلال وضع ثمانية موانئ مغربية تحت وصاية إسبانية- انجليزية لاستيفاء واجبات الغرامة والقرض لمدة ربع قرن. حدث كل هذا في زمن كانت فيه البلاد أحوج ما تكون إلى موارد مالية، كفيلة بترميم واقع كان متداعيا ومعرضا لمزيد من الاهتزاز والتفسخ، خاصة بعد المعاهدة المغربية البريطانية لسنة 1856، التي أضرت بالمداخيل الجمركية للبلاد، وأدخلت المغرب قسرا في منظومة رأسمالية لم يكن قادرا على مجاراتها.
الطيب بياض
تتمة الملف تجدونها في العدد 28 من مجلتكم «زمان»