عرف المجتمع المغربي فترات من الفتن والمحن، غاب فيها الأمن واستأسد الخوف على النفس والأهل والمال. فكان الجوع والوباء والقتل والاحتكام للعنف وانتزاع ما بأيدي الغير غصبا…
بقدر ما كان للطبيعة دور مهم في إفراز فترات المحن ورسم ملاحمها، خاصة في السنوات العجاف التي كانت تصيب المغرب بشكل يكاد يكون دوريا، وتبدأ جفافا تتلوه مجاعة ثم وباء أحيانا، ويلجأ الإنسان حينها إلى فعل القطف والخطف والقتل أيضا، بقدر ما كان لهذا الأخير دور أساس في صنع وتشكيل واقع معقد ومضطرب، إما حربا على الأرض والموارد، أو صراعا على السلطة ومكاسبها، وما يرافق ذلك من مشاهد الغارة والنهب للممتلكات، ومظاهر الهروب والطرد الجماعي والتهجير من المواطن الأصلية، وحالات الإفلاس المتعددة، ومناظر القتل والأسر التي كانت تهدد الإنسان وأسرته في كل حين…
حلول غارقة في الخرافة والخيال
إذا كانت الظواهر الاجتماعية من مثيل التكتل والتضامن، والادخار والتقشف، والهجرة والنزوح الجماعي إلى الأماكن الآمنة، وتردي الاقتصاد إلى أشكاله البدائية حيث القطف والالتقاط، واعتماد العنف لحفظ الاستمرارية والبقاء، تمثل كلها مرادفات لمحاولة الإنسان معالجة أوضاعه زمن المحن والفتن، فإن الفكر الغيبي والمعتقدات الشعبية من كرامات وخوارق وولاية وصلاح وسحر وانتحال للنبوة، وكهانة وتنجيم وغيرها، تمثل أيضا تعبيراً عن مواقف ووسائل لتجاوز الأزمات، كونها تقدم للإنسان «حلولا» للسيطرة على الواقع بآفاته وغوائله حين يعجز عن تدبيرها فعليا، فيحاول أن يعالج نزعات الخوف ومختلف ردود الفعل الانفعالية لديه، ويعمل على إدخال بعض من التنظيم والتوازن النفسي لإلغاء الاعتباطية التي يعيشها في واقع هو في تطلعه للمستقبل. لكنها تظل «حلولا» غارقة في الخيال والخرافة لا تعدو أن تكون من قبيل الاستكانة للقدر المكتوب، أو من قبيل تبرير الواقع كجزء من طبيعة الحياة نفسها، يجب قبولها كما هي. لقد أبدع المجتمع المغربي، خلال بعض الفترات الحرجة التي مر بها، كثيرا من الأساليب والممارسات لتجاوز آثارها أو للتخفيف من وطأتها أو قبولها كما هي والتسليم بانعكاساتها.
حميد تيتاو
أستاذ التاريخ الوسيط بكلية، تازة
تتمة المقال تجدونها في العدد 79 من مجلتكم «زمان»