حاول رجال الدين تقديم أجوبة عن الأسئلة المؤرقة التي طرحتها الأوبئة في مغرب القرن 19، لكن دون أن يجدوا حلولا فكرية لمواجهة تحديات الفترة.
إذا كان عالم القرن 21 يرزح حاليا تحت تهديدات أوبئة فتاكة، مثل إيبولا وداء فقدان المناعة، وكورونا ، فإن عالم ما قبل القرن 20 عانى ويلات أوبئة لم تكن تقل خطورة وفتكا، على رأسها الطاعون ثم الكوليرا، تركت بصمات عميقة في الذهنية الجماعية إرثا ثقافيا اصطُلح عليه في الثقافة العربية بأدبيات الطاعون.
العقاب السماوي
اجتاحت المغرب، على غرار مجمل بلدان العالم، موجات متوالية من الأوبئة خلال فترات دورية من تاريخه. ودوّن الإخباريون والفقهاء كما هائلا من المؤلفات للجواب عن أسئلة مؤرقة أمام العجز عن وقف نزيف الضحايا. خلال القرن 19، أصبحت مسألة العدوى تفرض تداولها بالساحة الفقهية والأدبية مع فرض القوى الأوربية لقوانين صحية صارمة على الضفة الجنوبية للأبيض المتوسط في إطار الإجراءات الوقائية لمواجهة انتشار الكوليرا والطاعون. لذلك، لم يدخر المؤلفون المغاربة جهدا لسبـر مرجعيات الفكر الإسلامي والاجتهادات الفقهية بهدف التعريف بالأوبئة، وتفسير أسبابها وشرح الآراء بخصوص الطروحات الطبية. المصدر الأساس الذي اعتمده المؤلفون المغاربة هو كتاب “عمدة الراوين في بيان أحكام الطواعين” لمحمد الحطاب المتوفى سنة 1547. بينما يعتبر كتاب “بذل الماعون في فضل الطاعون”، الذي ألفه ابن حجر العسقلاني خلال طاعون 1431، المصدر الأساس الذي اختصر منه الحطاب وغيره. وقد اكتسب أهميته لتناوله كل الإشكاليات الفقهية المرتبطة بالأوبئة عموما، كمسألة العدوى، ومشروعية الفرار من الطاعون، وجواز الاحتراز، ومسألة حصانة المدينتين المقدستين من الطاعون. من الصعوبات المرتبطة بالموضوع، تعميم الإخباريين لفظي الوباء والطاعون للدلالة على كل مرض فتاك. أما المؤلفات التي فصلت في تعريف الطاعون وتمييزه عن بقية الأوبئة، فلم تخرج عن ترديد ما حبلت به المصادر الكلاسيكية الوسيطية، مما يعكس حالة فكرية وُصفت بانحصارها عن التجديد والتطور منذ القرن 14.
الحسين الفرقان
أستاذ باحث بكلية وارزازات
تتمة المقال تجدونها في العدد 79 من مجلتكم «زمان»