قادت الأقدار الكورسيكية مارث إلى أحضان محمد الثالث، وسرعان ما أصبحت من حريم السرايا وهزت جمود البلاط، وكانت ذات تأثير في قرارات السلطان.
ما الذي يمكن أن يربط كوربارا البلدة الصغيرة في جزيرة كورسيكا العليا بالمغرب؟ للوهلة الأولى لا شيء يبدو على الإطلاق، ربما باستثناء بعض العمال الزراعيين المغاربة الذين حلوا بها للبحث عن حياة أفضل في جزيرة الجمال. ومع ذلك، فإن هذه القرية التي يقل عدد سكانها عن ألف نسمة تفتخر بقصة شيقة مع الإمبراطورية الشريفة، وهو الاسم الذي كان يعرف به المغرب قبل أن يقرر محمد الخامس يومًا ما من عام 1957 التخلي عن لقب السلطان وتعويضه بلقب الملك.
ولادة في بلاد الإسلام
كانت كوربارا مكان المنشأ، حتى لو لم تعرف، على الأرجح، ولادة “السلطانة المغربية”. لا يتعلق الأمر بجارية محظية، بل بامرأة كان لها تأثير سياسي معين داخل البلاط العلوي، وكانت زوجة شرعية للملك.
كانت الضاوية تدعى (دافيا بالنسبة للكورس)، وعاشت خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر. لكن هذه السيدة لم تكن تحمل هذا الاسم في البداية، حتى وإن رأت النور في بلاد الإسلام. فقد كانت هذه الورعة “نصرانية”، وتحمل اسما وكنية مسيحيين: مارث فرانسيسكيني. بدأت قصة “السلطانة الكورسيكية” قبل ولادتها بوقت طويل. وفيما تظل المصادر المغربية، دائما، بكماء أو لا يمكن الوصول إليها عندما يتعلق الأمر بحميميات السلاطين، فإن رئيس دير يدعى جون-أنج كاليتي هو من كشف الستار عن هذه القصة الحميمية. ففي كتابه الضخم “تاريخ مصور لجزيرة كورسيكا” ، وهو عمل كبير نُشر في عام 1863، يحكي هذا الرجل في صفحات قليلة عن هذه الرحلة الاستثنائية للضاوية.
كان الزوجان جاك-ماري فرانسيسكيني وسيلفيا مونشي، في سنة 1754، يشتغلان في أرضهما التي يملكانها في ضواحي كوربارا غير بعيد عن البحر، حين ألقي عليهما القبض من طرف قراصنة تونسيين كانوا قد شنوا غارة على ساحل بالان. في ذلك الوقت، كان القراصنة البربر يتجرؤون على تحدي القوى الأوربية بغاراتهم ضد السفن وسواحل القارة القديمة. في تونس، بيع الزوجان للداي، الذي سرعان ما جعل جاك-ماري فرانسيسكيني مسؤولا عن ممتلكاته. وفي تونس أيضا، رأت مارث النور. ظل الأب خادما وفيا ومهتما بكل التفاصيل، وذلك ما جعله ينال ثقة الداي، خاصة عندما كشف له عن مؤامرة تحاك ضده في الخفاء لاغتياله. هكذا، عاشت عائلة فرانسيسكيني داخل القصر إلى حين وفاة مالكه وحلول داي جديد وافق على عودة الأم سيلفيا والابنة مارث إلى أرضهما الأم في كورسيكا.
يونس مسعودي
تتمة الملف تجدونها في العدد 61 من مجلتكم «زمان»