شاءت الأقدار أن يغيب الموت، يوم 5 فبراير 2016، الطيب الصديقي أو «أورسون ويلز العرب»، كما لقبه أحد النقاد الفرنسيين. رحل الصديقي، لكنه ترك لعشاق المسرح تراثا كفيلا بأن يضمن لاسمه الخلود.
في مطعم أنيق وسط العاصمة الرباط، وتحت ضوء مصابيح خافتة تذيب العتمة الساكنة في قلب تلك الظهيرة الرطبة، الحبلى بمطر شحيح، خاطب الكاتب والرسام عبد الحي الديوري صديقه القديم الروائي محمد برادة، وبلهجة لا تخلو من إعجاب بكل أبناء الفقيه محمد بن سعيد الصديقي صاحب «إيقاظ السريرة في معرفة الصويرة»، وهم جميعا يتميزون بمواهبهم الفنية العالية، قال: «حكى لي المؤرخ محمد القبلي حكايات طريفة عن الطيب الصديقي حين كان يدرس معه بنفس القسم بإحدى ثانويات الدار البيضاء. لا يتميز الصديقي بذكائه وطرافته فقط، بل بموهبته في تقليد الأساتذة بشكل يثير الضحك والسخرية».
كان الطيب الصديقي شخصا استثنائيا فائق الحيوية وحاضر البديهة منذ طفولته، ولعل تلك الموهبة الفطرية كانت هي السماد الذي غذى ميله نحو مهنة المسرح وفنون الفرجة، فيما بعد.
ومن ينكر ذلك؟ كانت تعابير وجه الطيب الصديقي غير طفولية على الإطلاق، خصوصا بعد أن تشكل واستقام بنيانه: بعينيه الضيقتين اللامعتين غير المستقرتين، بأنفه القصير الأفطس، ولحيته الفوضوية التي نمت على ذقن عريضة، كل ذلك وغيره من علامات تضفي على حركته وبحة صوته المجروح نوعا من الغرابة، وتمنحه تلك الهيئة الشبيهة بهيأة زنجي بلون أبيض هالة مشبعة باليقين والثقة بالنفس، وهي خاصية تثير الانتباه، وتجعل الكثيرين يهابونه ويحذرونه حين يتكلم ويسخر وهو يبدع في توليد الكلام، أو على العكس، يندفعون نحوه للتقرب إلى عالمه، مسلحين بضحك لا جدوى منه، ولا يخون إلا صاحبه.
محمد الهرادي
تتمة المقال تجدونها في العدد 29من مجلتكم «زمان»