ارتبطت الفلاحة المغربية، دائما، بالأمطار. وفي عهد الحماية حاول الفرنسيون استلهام تجربة كاليفورنيا الأمريكية.
ظلت الفلاحة المغربية مرتبطة بما تجود به السماء إلى غاية بداية الثلاثينات من القرن الماضي، حيث شرعت إدارة الحماية الفرنسية في الانتقال من سياسة القمح إلى تنويع المنتوج وبناء السدود وإقامة مجموعة من المجالات المسقية، في ما عرف بتوجه فرنسي لنقل التجربة الفلاحية الكاليفورنية إلى المغرب. وطيلة الفترة السابقة عن هذا التحول، أي خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كان الفلاح المغربي يعدم الحلول ويفتقد لأدوات مواجهة شح الغيث، فتصير البلاد برمتها مسرحا لمجاعات تفتك بالبشر والأنعام. هكذا توالت الكوارث الطبيعية بشكل دوري طيلة قرنين من الزمن، إذ كلما يبس الزرع وجف الضرع، تشرئب الأعناق طلبا لرحمة السماء، وترنو العيون لجهة الموانئ في انتظار حبوب قد تأتي وقد لا تأتي، وتهفو القلوب لما في الأهراء والأمراس المخزنية من قمح قد تطاله عملية إعادة التوزيع. وما كان يعمق الأزمة أكثر ويزيد من حدتها، هو تزامن الجفاف بآفات أخرى من جراد أو أوبئة فتاكة، كانت تتعاقب بشكل متقارب فتدمر الأجساد النحيفة التي حرمها الجوع والهزال من آليات المناعة والمقاومة فتكون النتيجة وفيات جماعية تنتج عنها كوارث ديموغرافية.
وإذا كان البحث الذي أجري عن وضعية المحاصيل الزراعية خلال الفترة الممتدة بين 1807 إلى 1912، سواء بشمال البلاد أو جنوبها، قد كشف أن الغلال تكون رديئة على الأقل مرة واحدة كل خمس سنوات، فإن مدة الأزمات الغذائية كانت ترتبط بتداخل عاملين اثنين: مستوى الإنتاج في السنوات المتضررة، وحجم المدخرات الغذائية، أي ما تم الاحتفاظ به من السنوات ذات المحصول الجيد. فسرعة تفشي الأزمة خلال السنوات العجاف يكشف أن ما وفرته السنوات السمان كفائض على سبيل الاحتياط هو من القلة التي لا يمكن معها تغطية الحاجيات الغذائية، ولو لسنة عجفاء واحدة. فيكون أثر القحط مهولا على السكان، لدرجة أن تجاوزه لا يتم إلا بوتيرة بطيئة حتى عندما تتوالى السنوات ذات المحاصيل الجيدة، ما دامت كميات الاحتياط مرتبطة أساسا بإنتاج أعد أصلا للاستهلاك المحلي وليس للتراكم والتسويق.
الطيب بياض
تتمة الملف تجدونها في العدد 30 من مجلتكم «زمان»