يحلل محمد حنشان، أستاذ الجغرافيا الطبيعية – تخصص علم المناخ، ظاهرة الجفاف في المغرب في علاقتها بالإنتاج الزراعي وآثارها الاجتماعية والاقتصادية. ويشير حنشان، الأستاذ بالكلية متعددة التخصصات في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بتازة، إلى أن نتائج الدراسات التاريخية القديمة تفيد أن الأزمات المناخية بالمغرب، من مجاعات وأوبئة ونقص في الإنتاج الزراعي، كانت غير منتظمة ومتفاوتة الخطورة، همت، في غالب الأحيان، جميع مناطق المغرب.
كيف نحدد مفهوم «الجفاف»؟
في الواقع، ليس هناك تعريف متوافق عليه علميا حول هذه الظاهرة المناخية، خصوصا وأن هناك أنواعا مختلفة من الجفاف التي ترتبط كلها بالجفاف المناخي. ويمكن تقييمه بمدى الانحراف النسبي والمؤقت للتساقطات المطرية المسجلة بمحطة محددة خلال فترة زمنية معينة، مقارنة بالقيمة العادية التي يتم حسابها خلال فترة زمنية طويلة. وعندما تستمر هذه الوضعية لعدة شهور أو سنوات، فإنها تشكل خطرا على احتياجات المجتمعات البشرية وعلى البيئة المحيطة بها. وخلافا لغيرها من الظواهر الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات، فإن الجفاف لا يشكل خطرا آنيا، بل هو ظاهرة بطيئة التطور. وبما أن حدوثه يظل نسبيا، فهو يهدد جميع المناطق المناخية بالعالم. وكون المغرب ينتمي إلى المناخ المتوسطي، فيجب التمييز بين الجفاف الهيكلي للموسم الحار، والجفاف المزمن الذي يمكن أن يهم بشكل عشوائي الفصل المطير، ويعتبر هذا الأخير المهدد المباشر للموارد البيئية للبلد. وفي حالة استمراره خلال مدة زمنية، مرتبطة أساسا بفترات حساسة لنمو النبات، فقد يترتب عن ذلك جفاف زراعي، يمتاز بانخفاض ملحوظ في رطوبة التربة، مما يؤثر سلبا على المردودية الفلاحية. وعندما يستمر الجفاف المناخي لمدة أطول، يحدث الجفاف الهيدرولوجي الذي يمتاز بانخفاض منسوب المجاري المائية ومستوى الفرشات المائية الباطنية. وقد يتفاقم الوضع، ليؤثر الجفاف على النسيج الاقتصادي والاجتماعي، خصوصا عندما يحدث انعدام التوازن بين العرض والطلب لأهم المواد الغذائية والمستلزمات الاقتصادية.
ما هو التقييم الحالي لخطر الجفاف في المغرب؟
لقد امتازت العقود الأولى من القرن العشرين ببداية رصد المعطيات المناخية بالمغرب والتي تزايد عددها واتسع مجال تسجيلها. وعلى هذا الأساس، تمكن البحث في علم المناخ من أن يقدم تقييما مفصلا ودقيقا لظاهرة الجفاف. ومن أهم النتائج التي يمكن استخلاصها، أن الفترة الزمنية الفاصلة بين جفاف وآخر لا تتعدى 13 سنة، وأنه تم تسجيل حالة جفاف واحدة على الأقل خلال كل عشرة سنوات، في حين أن الجفاف ذا الحدة القصوى فيرتقب أن يحدث مرة كل ثلاثين سنة. وقد أكدت العديد من الدراسات المناخية أن المغرب شهد سلسلات متفرقة من حالات الجفاف المناخي المزمن ومن أهمها سنوات 1904-1905، 1931-1934، 1943-1946، 1982-1984، 1994-1995، 1999-2000. ويمثل الموسم الفلاحي لسنة 1994-1995 أقصى جفاف سجل خلال القرن العشرين. وقد يستمر الجفاف إلى مدة أقصاها ستة سنوات، كما هو الشأن بالنسبة لسنوات 1930-1935 و1980-1985. والجدير بالذكر أن وتيرة تردد الجفاف ارتفعت من سنة خلال خمسة سنوات قبل منتصف سنوات السبعينيات إلى سنة في كل سنتين بعد ذلك. ويستشف من خلال حالات الجفاف التي عرفها العقد الأخير من القرن العشرين أن خطر الجفاف أصبح يهدد معظم جهات المغرب.
كيف تفسر، بإيجاز، ظاهرة الجفاف بالمغرب؟
تتزامن فترات الجفاف، في كثير من الأحيان، مع هيمنة المرتفع الجوي الآصوري الذي يمنع ليس فقط الاضطرابات الجوية المميزة للمناخ المعتدل من التوغل في اتجاه المغرب خلال الفصل المطير (غالبا خلال الفترة الممتدة ما بين أكتوبر ومارس)، لكنه أيضا يوجه في اتجاه المغرب رياحا شرقية، قارية وجافة.
ولقد أوضحت العديد من الدراسات التي أنجزت على مستوى زمني متعدد السنوات، على نطاق جغرافي واسع، ضم دول حوض البحر الأبيض المتوسط الغربي والواجهة الغربية لأوربا، أن حدوث الجفاف يرتبط بظاهرة جوية تقع على نطاق واسع. وتتمثل هذه الأخيرة في تدبدب لحقل الضغط المرتفع الآصوري، ومركز الضغط المنخفض الإسلندي، تدعى بالدبدبة الشمالية الأطلنتيكية. وقد خلصت جل الدراسات إلى أن حدوث الجفاف بحوض البحر الأبيض المتوسط الغربي يتعلق بامتداد واسع النطاق للضغط المرتفع الآصوري نحو الشمال، وانكماش المنخفض الإسلندي وتراجعه في اتجاه شمال أوربا، ويحدث العكس خلال السنوات الرطبة. ويفترض أن هذه الدبدبة الشمالية الأطلنتيكية ترتبط ليس فقط بتغير في الدورة الهوائية العامة، بل تتأثر كذلك بدرجة حرارة سطح المحيط الأطلنتيكي والتيارات المحيطية السطحية.
حاوره محمد ياسر الهلالي
تتمة الحوار تجدونها في العدد 30 من مجلتكم «زمان»
محمد حنشان منبع الفكر تعلمت منه كثير