خلال قرون غابرة، كان المغرب من بين الدول القليلة التي يضرب بها المثل في ما يخص الرعاية الصحية، وبالتحديد الاعتناء بفئة ”المجانين”، فقد خصصت لهم مرافق خاصة تسمى “المارستانات”، وعزفت لهم الموسيقى وابتكرت عدة وسائل للتخفيف عنهم ولعلاجهم.
في كاتبه الشهير عن “تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي“، خصص الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو فصولا للحديث عن حال الأوضاع الصحية في العالم الغربي، وقارنها بأوضاع العالم الإسلامي خلال العصور الوسطى .وتساءل في الكتاب: من أين استمدت أوربا، مع بداية “عصر النهضة“، نزعتها الإنسانية في ما يخص رعاية مجانين وحسن معاملتهم. يقول في معرض جوابه: «ربما الشرق والفكر العربيان اضطلعا بدور حاسم في ذلك .فالظاهر أن العالم العربي قد شيد في وقت مبكر مستشفيات خاصة بالمجانين: ربما في فاس مع مستهل القرن السابع (…) ، وفي جميع الحالات ليس من باب الصدفة أن تكون المستشفيات الأولى للأمراض العقلية في أوربا قد رأت النور في إسبانيا».
بغض النظر عن دقة تحديد تاريخ القرن السابع الذي ذكره فوكو، والذي يستبعده الباحثون ويرجحون القرن 12م بدلا منه، فإن المغرب أولى عنايته مبكرا بالمجال الصحي، لا سيما بذوي الأمراض النفسية والعقلية كما سنرى بالتفصيل، وخصص لهم أماكن كانت تدعى بيمارستانات (أو المارستانات).
تورد المصادر التاريخية أن كلمة المارستانات تعود في أصلها إلى المعنى الفارسي، «وتتكون من كلمتين: بيمار، وتعني المريض أو المعتوه، أو المجنون أو المقعد .وستان، أي مكان .فالبيمارستان إذن هو مكان المرضى والمعتوهين، أو على الأصح المكان الذي كان يعالج فيه المرضى سواء منهم مرضى الجسد أو مرضى العقل». في هذه السطور الموالية، سنرى أهم المارستانات شهرة في تاريخ المغرب، والتي انتهى بها الحال مع دخول الاستعمار الفرنسي، وتفكك قوة الإيالة الشريفة.
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 101 من مجلتكم «زمان»