كانت مدينة فاس في العصر المريني مهوى أفئدة العلماء ومحج الطلاب وملتقى أهل الذوق والولاية والصلاح. فخلال هذه الفترة من تاريخ المدينة، اعتنى بنو مرين بالعلوم والآداب ومختلف الفنون، فعززوا المكانة العلمية لجامع القرويين، وشيدوا المدارس، وكَلِفوا بالخزانات ووفروا لها الذخائر من الكتب والمصنفات، وأوقفوا الأحباس الكثيرة على مؤسسات العلم وأهله، فأضحت تلك الحاضرة ”بلد المدارك والمدارس والمشايخ والفهارس.”
جاء بناء المدارس وتدعيهما ماديا ومعنويا من النظام المريني في سياق سعيهم الحثيث لنصرة المذهب المالكي، وإعادة الاعتبار لعلمائه وفقهائه، بعد معاناتهم من محن جمة توالت عليهم خلال أغلب فترات العصر الموحدي، كما استُثمر إشعاع هذه المدارس في توطيد دعائم السلطة المرينية، واستدرار وُدَّ بعض العلماء وعطفهم على السلطان القائم. ومن هذا المنظور، اعتبرت المدرسة مؤسسة سلطانية النشأة والتمويل والتوجيه، مما يسر على سلاطين بني مرين مأمورية الإمساك بزمام الأمور من خلال توجيههم للحركة العلمية، وتوظيف مكوناتها فيما يخدم الدولة وشرعيتها، ويلبي أغراضها ومراميها. وفي هذا الصدد، يمكن تأطير المدارس المرينية ضمن المدارس الرسمية؛ لأنها أنشئت بأمر من السلطان، فهي مؤسسة سلطانية بامتياز. كانت المدارس المرينية رغم طابعها الرسمي عبارة عن مؤسسات مستقلة لها وضعها الإداري الذي يتولى تدبير شؤونها، غير أنها لم تخرج عن الإطار المرسوم لجامع القرويين، حيث كانت تتكامل معه في مختلف الأدوار التي اضطلع بها، فكانت عبارة عن كليات أو ملحقات تابعة له تدعم دوره التربوي والعلمي. من بين أقدم وأشهر هذه المؤسسات التعليمية مدرسة الحلفاويين التي تنعت بأم المدارس المرينية، تقع جنوب ما يعرف اليوم بساحة الصفارين، مقابلة لباب خزانة جامع القرويين، فهناك اتفاق على أنها تعتبر أولى المدارس التي أنشأها سلاطين بنو مرين، وقد صدر الأمر بانطلاق أشغال البناء بها من السلطان أبو يوسف يعقوب سنة 670هـ/1271م، وذلك قبل الشروع في أعمال البناء في المدينة البيضاء التي ستصبح دار الملك.
عبد المالك ناصري
تتمة المقال تجدونها في العدد 101 من مجلتكم «زمان»