ما يميز المغرب والجزائر هو التماثل الكبير في الأسس الثقافية وتعبيراتها. كما يشترك البلدان في الأصول الأمازيغية، والتأثير العربي، والمكون الأندلسي، والبعد الصحراوي.
كانت المنطقة، التي توجد غرب مصر من برقة إلى الساحل الأطلسي، تسمى بلاد البربر، أي أن ساكنتها يشتركون في المادة الأولى أو البنية الأساسية، من حيث العرق والثقافة .يتوزعون ما بين ثلاث وحدات تلك التي وضعها ابن خلدون من صنهاجة (زناكة) وهم ساكنة الصحراء، يتميزون بنظام عيش يعتمد الترحال، ثم زناتة (أزايي، ج .إزايان بتفخيم الزاي، مما هو ماثل فيما يعرف في الأطلس المتوسط بزيان) وهم ساكنو الهضاب والتلول، و نظام عيشهم يعتمد الرعي، ويسمون كذلك بالشاوية، وهي كلمة عربية تحيل لنظام عيشهم، رعي الماشية، وأخيرا مصمودة (من أمود، أي الحصاد والنتاج) على ضفاف الأطلسي حتى السوس، وهم مزارعون بالأساس. بيد أن هذه الوحدات عرفت تمازجا، بسبب الهجرات، حيث وقع تداخل ما بين صناجة وزناتة مثلا، وحصل من ذلك تثاقف في اللسان ونظام العيش، كما أن المصامدة ارتحلوا زمن الموحدين إلى افريقية (تونس الحالية)، وتعتبر المجموعة الزناتية الجماعة الأكثر تعرضا للتعريب، سواء في المغرب أو الجزائر، بالنظر لنظام عيشها المعتمد على الرعي واختلاطها بالقبائل العربية التي استقرت في البسائط.
عرفت البنية الديمغرافية والثقافية الأصلية حلول وافد أثر تأثيرا عميقا في البنية الثقافية لبلاد المغرب ثم فيما بعد سياسيا، هو العنصر العربي. وفدت قبائل بني رياح في كل من تونس وليبيا، وهو الأمر الذي ينعكس في تشابه بنية دارجتيهما في المعجم والنطق، ثم بني هلال وبني سليم في الجزائر والمغرب، مما يجعل لسان تخاطبهما قريبا، (وهما البلدان الوحيدان من تجد عندهما كلمتي گاع، وهي أمازيغية الأصل، وبزاف وهي عربية من بالجزاف، ولا تجدها في أي بلد آخر) .وفي القرن الرابع عشر الميلادي، عرفت المنطقة هجرة بني معقل عبر الصحراء، وهو الأمر الذي ترتب عنه تماثل اللسان في كل من جنوب الأطلس الصحراوي بالجزائر من الأغواط، ومنطقة وهران وتافيلالت ودرعة، وتفرع عنهم بنو حسان من استقروا في الصحراء جنوب واد نول (باللام، إذ النول بالأمازيغية هو النهر العظيم أو اليم)، وتولد عن ذلك اللسان الحساني في احتكاكه بلسان صنهاجة، في المعجم والتركيب، وبالأخص في العادات، وهم ساكنة الصحراء، من تاجاكانت في الجزائر، وواد نول والساقية الحمراء بالمغرب.
حسن أوريد
تتمة المقال تجدونها في العدد 87 من مجلتكم «زمان»