انخرطت كل مكونات مجتمع المدينة، أواخر العصر الوسيط في فعل التضامن ضد الجوع بخلفيات دينية أو إنسانية، فيما حركت السلطة، غالبا، حسابات سياسية لـ«لكسب القلوب» بالمفهوم الخلدوني.
لا غرو أن فعل التضامن وأشكاله المتعددة فرضته الحاجة والشدة في ظل اقتصاد القلة. وإذا كانت الشدة مرتبطة بأزمنة عصية، فإن الحاجة ظلت حاضرة سواء في الحياة العادية أو في تلك الأزمنة. وقد اتخذ فعل التضامن أشكالا عدة ومتنوعة.
لقد طغى تضامن الإطعام على باقي مجالات التضامن الأخرى، ويبدو أن هذا الأمر بديهي بحكم الحاجة إلى الطعام حفاظا على الحياة، وقد انخرطت فيه كل مكونات المجتمع، وفي مقدمتهم العلماء، منهم علي الأنصاري نزيل مراكش المتوفى 663هـ، عرف عليه أنه كان «كثير الإطعام». وانخراط العلماء في هذا التضامن بشكل غير مباشر أحيانا، من قبيل ما كان يفعله ابن خجو الحساني المتوفى عام 956هـ) بغراسته لـ«دوالي العنب بيده، ويجعلها صدقة يأكل ثمرها جميع من مر بها من الناس».
أما الصوفية، فكان انخراطهم في فعل الإطعام أبرز من دور العلماء، ولعل ذلك يرجع إلى إيمانهم بأن «رأس التوفيق والعبادة إطعام الطعام». ومن هؤلاء المتصوفة أبو يعقوب البادسي الذي كان يشتري الزرع لبعض الأيتام. وعرف على الشيخ محمد بن موسى الحلفاوي، نزيل فاس المتوفى عام 758هـ، إيثاره الكبير على الفقراء والمساكين وفي مقدمة ذلك الأقوات التي تكفي لمدة طويلة، ليساعدهم على العبادة والتفرغ للكسب. ولم يقتصر فعل الإطعام عنده على الضروريات من القوت، بل كان يطوف على الفقراء والمحتاجين في مدينته ويتفقدهم «بالفواكه الرطبة واليابسة في أوانها من تميل إليها نفسه فلا توصله المتربة إليها، يبتاع منها الكثير متى أظل زمانها وتمكن إبانها…». وكان الصالح أبو بكر «يصنع الطعام من كسبه للفقراء والضعفاء من ذوي الدين والفضل، ويتناول تقريبه إليهم بنفسه». وكانت صفة سعيد بن أبي بكر المشترائي نزيل مكناسة (ت. في أواخر العشرة السادسة من القرن 10هـ) إطعام الطعام، كانت «ترد زاويته الوفود في كل يوم وليلة، ونعم لله تشمل جميعهم وتعمهم».
محمد ياسر الهلالي
التتمة في العدد 13 من «زمان»