قرر السلطان المولى إسماعيل تكوين جيش وطني من العبيد. لكن ولأسباب عديدة منها نقص المال، عزم على استرقاق السود المغاربة حتى يشكل منهم جيشا موحدا يرتبط به شخصيا. لكن ورغم جبروت السلطان وحدة مزاجه، فإن بعض العلماء سيقفون له بالمرصاد باسم الشرع والحرية. ملحمة حقيقية.
كان المغرب على عهد السلطان العلوي المولى إسماعيل، الذي حكم من 1672 إلى 1727، محاصرا في الشرق من لدن الأتراك الذين كانوا يطمحون في جعل المغرب إيالة تابعة للأستانة مثل تونس والجزائر، والذين كانوا يتوفرون على جيش فعّال وموحّد يدعى الانكشارية. أما في الشمال، فكانت القوى الإيبيرية تتحرش منذ قرون، وبشكل شبه دائم، بثغور المغرب سواء على البحر المتوسط أو المحيط الأطلسي. كما انشغل السلطان القوي، خلال جزء كبير من عهده، بقتال القائمين عليه بالداخل ومنهم الكثير من أقربائه بمن في ذلك أبناؤه وأبناء إخوته. في هذا السياق الصعب، سيتخذ السلطان قرارا حازما وتاريخيا بتأسيس جيش بالمعني الحقيقي للمفهوم، أي مهني ووطني في نفس الآن. ولكن كيف يمكن تشكيل جيش بهذه الخصائص عندما تكون القبائل هي العمود الفقري للقوى المحاربة بالبلاد، وذلك منذ الأدارسة؟
بعد سنوات قليلة من اعتلائه العرش، أي في نهاية السبعينات من القرن السابع عشر، حزم السلطان الداهية أمره على تكوين جيش من السود. كانت الفكرة عبقرية حقا، ولكن لا شرعية ولا أخلاقية. ورغم الرهبة التي كان يثيرها المولى إسماعيل في النفوس، فإن بعض الفقهاء، «وقد لبسوا الأكفان»، سيواجهون قرار استعباد مسلمين بدعوى لون بشرتهم وأصلهم.
وفي نظر السلطان، فإن هذا الجيش سيكون منسجما، إذ يمتاز بغياب روابط العصبية القبلية أو الإقليمية. بالإضافة إلى ذلك، كما قال مرارًا، في سجالاته مع العلماء الذين اعترضوا على قراره، إن السود والخلاسيين يتميزون بالقوة وروح الطاعة. بل إنّ السلطان ذهب في دفاعه عن مشروعه إلى حد القول إنه مادامت أخلاق السود منحلة -وهي فكرة عنصرية لا أساس لها في الواقع طبعا- فإن تجنيدهم وفصلهم عن الساكنة سيكون تخليصا لهذه من الرذيلة. هل كان هذا السلطان يكره نفسه إلى هذه الدرجة، إذ كان لون بشرته داكنا إلى حد بعيد، فوالدته المعروفة بجمالها الكبير كانت ذات أصل زنجي ونقيط.
معطي منجب
تتمة المقال تجدونها في العدد 81 من مجلتكم «زمان»