يتخلل المسار السياسي لعبد الرحيم بوعبيد العديد من الأدوار التي شكلت تاريخ المغرب الراهن. من أهمها أنه حافظ على وحدة حزبه، وأنقذ البلاد من “عنف السياسة وسلاحها”. في هذا الحوار، يوضح لنا الباحث في التاريخ السياسي حسام هاب، أين تتجلى أدوار الزعيم الاتحادي في حياة المغرب المستقل.
عندما نقرأ تاريخ المغرب ونتتبعه لا سيما بعد الاستقلال، نجد بأن عبد الرحيم بوعبيد كان له دور كبير في المسألة الديمقراطية وترسيخها.. هل يمكن أن توضح لنا هذا الجانب وهذه الأدوار؟
يشكل الفعل السياسي لعبد الرحيم بوعبيد مرجعية تاريخية للتقصي والتساؤل لدى الفاعلين السياسيين والباحثين حول إشكالية الديمقراطية خلال مرحلة مغرب الاستقلال، وذلك من خلال دراسة وتحليل آراء ومواقف عبد الرحيم بوعبيد حول المسألة الديمقراطية في المغرب المستقل، مجسدة في خطبه ورؤيته لبناء نظام سياسي ديمقراطي باعتباره رجل دولة أسهم في تدبير الشأن الحكومي والدبلوماسي، وزعيما سياسيا عمل في واجهة العمل الحزبي، ودافع عن ترسيخ الديمقراطية في المغرب من خلال إرساء نظام ملكي دستوري ديمقراطي، وهو ما تجسد في قيادته لحزبي الاتحاد الوطني والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي نقله من الاختيار الثوري إلى النضال الديمقراطي، وعبر عن مفهومه للديمقراطية ورؤيته لها من خلال مواقفه من المؤسسة الملكية، وأيضا عبر حواراته وخطاباته ومذكراته وأدبيات الحزب التي أسهم فيها، ولعل أبرزها “استراتيجية النضال الديمقراطي“ التي اختارها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ مؤتمره الاستثنائي سنة 1975 كخط سياسي مرحلي للإسهام في التغيير الديمقراطي من داخل المؤسسات المنتخبة.
وبقدر ما كان بوعبيد قريبا من المؤسسة الملكية، فإنه كان مؤمنا بملكية دستورية ديمقراطية، ورافضا للملكية المطلقة، ومدافعا عن دمقرطة النظام السياسي بالمغرب، وبناء دولة المؤسسات والحريات، وتخللت خطاباته حمولات قوية تجاه النظام في مراحل الأزمة بين الحزب والملكية. فمباشرة بعد إقالة حكومة عبد لله إبراهيم سنة ،1960 برز اسم بوعبيد في واجهة العمل الحزبي داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي كان فرصة للتعبير عن مواقفه ورؤيته للمسألة الديمقراطية في المغرب خلال هذه المرحلة، والتي تميزت بطرح إشكالية الحكم المطلق وتحليلها، والنضال في سبيل إقرار مؤسسات دستورية تحظى بثقة الشعب، وإقامة هياكل تمثيلية حقيقية تؤسس لنظام حكم ديمقراطي بالبلاد. وقد عرفت فترة الستينات تحولا جذريا في الخطاب السياسي لعبد الرحيم بوعبيد ومواقفه تجاه المسألة الديمقراطية في مغرب بدأ يتجه نحو الملكية المطلقة. فرغم أن بوعبيد وظف في خطاباته مفردات قوية ضد النظام السياسي، فإنه عمل بشكل متواز على إبقاء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في دائرة العمل السياسي الواضح والشرعي باعتباره أداة حزبية للنضال من أجل الديمقراطية، وهو ما تجلى في محافظته على قنوات الاتصال بالقصر للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، والتداول في المشاكل السياسية التي كانت تعرفها البلاد .ستكون مرحلة السبعينات بداية فصل جديد من نضال بوعبيد من أجل الديمقراطية، وقد امتدت هذه المرحلة من المؤتمر الاستثنائي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1975 إلى وفاته في يناير ،1992 ويمكن اعتبارها منعطفا نحو التوافقات الصعبة الناتجة عن الشعور الجماعي بضرورة الخروج من نفق الأزمات، وهي مرحلة لم تكن متجانسة بالمرة لكنها حملت قواسم مشتركة حول المسالك المتشعبة جدا للديمقراطية بالمغرب.
لماذا بالضبط هذه السنوات وهذه المرحلة تعد منعطفا في مسار بوعبيد؟
تميزت هذه المرحلة بإسهامات بوعبيد في تحقيق تراكمات مهمة في ميدان الممارسة الديمقراطية سواء داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أو تجاه المؤسسات المختلفة للدولة. وقد ظل بوعبيد خلال هذه الفترة مؤمنا بضرورة إقامة مجتمع ديمقراطي، مع تراكم المكتسبات دون تفريط في المبادئ .لذلك، وقع تحول مهم على مستوى الخطاب والممارسة السياسية لعبد الرحيم بوعبيد، ابتداء من منتصف السبعينات، تجاه المسألة الديمقراطية بفعل التطورات التي عرفتها قضية الصحراء وإسهامه في كل الاستشارات الدائرة بشأنها وموقعه فيها، حيث بدأ يعطي الأسبقية لرمزية شخصية الملك مع التركيز على خلق جو سياسي جديد.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 99 من مجلتكم «زمان»