كيف دخل ”الكيف “إلى المغرب؟ ولماذا ارتبط بمنطقة كتامة والريف؟ ولماذا لم يستطع الفقهاء تحريمه والقضاء عليه عبر تاريخ الإيالة الشريفة؟ وما الذي تغيّر في زراعة الكيف وتجارته في فترة الحماية الأجنبية وبعد استقلال المغرب؟ ثم ما الذي يجعل من قضيته قضية سياسية في زمننا الراهن؟ مجموعة من التساؤلات وغيرها، يجيب عنها بشكل مفصّل ودقيق الأستاذ والباحث الأنثروبولوجي خالد مونة في هذا الحوار.
الأستاذ خالد مونة، هل يمكن أن توضح لنا، وبشكل موجز، مدى تجذر نبتة ”الكيف “في تاريخ المغرب؟
بادئ ذي بدء، أشكر لكم عنايتكم بهذا الموضوع الذي يُعتبر بالنسبة لهذه اللحظة التاريخية محطة فاصلة في إعادة صياغة تصورنا لموضوع الكيف في سياقنا المعاصر. لا يخفى عليكم أن قبيلة كتامة شكلت، عبر التاريخ، حلقة وصل أساسية في دخول نبتة القنب إلى المغرب الأقصى. فهذه القبيلة، وهي من أصل صنهاجي، شكلت ركيزة أساسية في بناء الدولة الفاطمية في القرن العاشر، وكانت تتمذهب، حسب مؤرخي مذاهب المسلمين، بالمذهب الإسماعيلي الشيعي الذي كان متسامحا، على نحو ما، مع استهلاك هذه النبتة. وبعد فتح الفاطميين للقاهرة وتحويلها عاصمة لحكمهم، عانى الكتاميون من الوصم الذي لحقهم بسبب اتباعهم المذهب الإسماعيلي، لدرجة أن كلمة: “كتيم“ كانت تحيل إلى صورة من صور الجهل بالدين. فنزوح كتامة إلى المغرب الأقصى قد يكون أسهم، في نظري، بدور رئيس في انتشار هذه النبتة. فكتامة لم تفقد بريقها بعد نزوح أهلها إلى المغرب، حيث استقرت هذه القبيلة في مدينة القصر الكبير حاليا، والتي كانت تُعرف إذ ذاك بقصر كتامة.
لماذا ارتبط الكيف بالأساس بمنطقة كتامة والريف عموما؟ وما هي خصوصية هذه المناطق بالنظر إلى باقي ربوع المغرب؟
بدأ ارتباط نبتة الكيف بمنطقة كتامة أواخر القرن التاسع عشر عندما تم تحرير الكيف ودخوله سوق التبادل الحر مع الدول الأجنبية، فقد تم استثناء بعض المناطق في الريف الأوسط الذي يضم كتامة وبني خالد، ولم يكن الكيف في هذه المناطق مرتبطا بالسوق الدولية، ولا يدخل في إطار الاتفاقية المبرمة مع الدول الأوربية. لقد كانت هنالك فكرة سائدة مفادها صعوبة ولوج بلاد الريف بسبب صعوبة طبيعته وشراسة قبائله. أضف إلى ذلك، أن هذه المنطقة وخصوصا كتامة، كانت معروفة بجودة نبتة الكيف لديها والتي كانت تزود بها بعض التوجهات الطرقية. الكيف كان يدخل لدى هاته التوجهات في إطار طقوس موسمية أيضا، حيث تقام له مواسم؛ من قبيل موسم سيدي أحمد جمعون. وفي هذا الموسم، الذي كان يقام بعد موسم الحصاد، تأتي كل قبيلة بقربان (بقرة)، ويتم ذبح قرابين ثلاثة، تمثل كل واحدة منها قبيلة، في الوقت نفسه، والذبيحة التي تقاوم الموت طويلا وتظل واقفة تحيل على جودة كيف القبيلة التي تمثلها.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 90 من مجلتكم «زمان»