سألني أحد الباحثين بالمركز الإسباني الكانو (Elcano) عن تخوفي من أن يطول أمد مشكلة الصحراء، أو أن يتحول إلى مشكل آخر. كنت أعرف قصده. ولمن لا يعرف هذه المؤسسة، فالأمر يتعلق بمختبر للأفكار تأسس سنة ،2001 وينشر باستمرار أبحاثا وتحاليل حول العلاقات الدولية والتي لها ارتباط بإسبانيا وأمريكا اللاتينية. ولكن عندما نعرف أن أهم التمويلات، التي يعتمد عليها هذا المختبر، تأتيه من أوساط الجيش الإسباني، نعرف أن الأمر لا يتعلق فقط بالأفكار، وإنما يتجاوزها إلى الاستراتيجيات. كنت التقيت هذا الباحث في مؤتمرات متعلقة خصوصا بما سمي بمسلسل برشلونة، وأخرى متعلقة بالفضاء المتوسطي، وكنا كل مرة نتجاذب أطراف الحديث حول قضية الصحراء خصوصا عندما عرف علاقتي الخاصة بهذا الفضاء، إن على المستوى الجغرافي أو على المستوى الثقافي أو حتى الانتساب العائلي.
ولما أتيحت لي الفرصة في أبريل 2016 أن أسافر إلى إسبانيا رفقة السيدتين نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، وأمينة بوعياش رئيسة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان والتي كانت إبانها سفيرة للمغرب لدى دولة السويد، للقاء الأوساط السياسية والفكرية الإيبيرية في إطار التحضير للملتقى الذي كان يعتزم مركز بنسعيد أيت إيدر تنظيمه حول الصحراء بمشاركة عدة فاعلين، من بينهم أعضاء من جبهة البوليساريو، التقيت الباحث نفسه، وطرح علي السؤال ذاته. فكان جوابي كالتالي:
«أنت تعرف أن البوليساريو تتكون بالأساس من قبيلة واحدة، وأن باقي قبائل الصحراء بالإضافة إلى أبناء المنطقة الذين نزحوا تحت الضغط الاستعماري (الفرنسي–الإسباني) في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ليسوا مُمَثَّلين داخل التنظيم العسكري للجبهة والذي فضل أن يسترد الأرض بالقوة، معتبرا أن المغرب محتل. فالرقيبات ليسوا وحدهم من يمثلون ساكنة الصحراء. إذن لو أن جهة ما (ولتكن أمريكا أو الاتحاد الأوربي أو غيرهم من القوى العالمية) حاولت بطريقة من الطرق، كما فعل فرانسوا ميتران في الثمانينات، أن تضغط على المغرب، وأن يتم التفكير في تنصيب دولة هناك، فالأكيد أن القبائل التي تسكن الصحراء من الشمال إلى الجنوب سوف تدافع عن نفسها. وأنتم تعرفون هذا، تعرفون أن هناك مخاطر حَرْب أهْليَّةٍ لن تبقيَ ولن تدر .إسبانيا تعرف أن هناك تجمعات قبلية كبيرة غير ممثلة في جبهة البوليساريو ولا تريد ذلك أصلا، ولكنها لن تقبل بحكم الرقيبات. هناك مشكلة كبيرة مطروحة وظهرت للأمم المتحدة إبان ما سمي بالاستفتاء حول تقرير المصير.
بل أنتم تعرفون مدى اتساع الحدود الجزائرية، أي تلك التي منحتها فرنسا للجزائر قبل مغادرتها البلاد بعد الاستقلال. فما يسمى بالصحراء الجزائرية اليوم كانت تعتبر بالنسبة لفرنسا ممرا نحو إفريقيا الغربية. وطول الحدود الموروثة عن الاستعمار بالنسبة للدولة الجزائرية يقارب سبعة آلاف كيلومتر .لا يمكن اعتبار الحدود الآمنة إلا تلك التي تفصلها عن تونس والمغرب شمالا. ولا أظن أن الباحثين والمراقبين الغربيين يجهلون ما يجري على هذه الحدود من تهريب للمخدرات والسلاح والبشر. فالحدود الموريتانية – الجزائرية مثلا لا تخضع لأية رقابة من طرف الدولتين، بل هناك فقط نوع من التوافق الضمني بين قوات البلدين والمهربين، مفاده أن تشتغل قوات الأمن نهارا لتعطي الانطباع على أساس أنها تتحكم في الوضع، وأن تشتغل عصابات التهريب ليلا.
من جهة أخرى، نحن نعرف حالة الهشاشة السياسية والإثنية الثقافية والعرقية التي توجد عليها عدد من الدول الإفريقية جنوب الصحراء، إضافة إلى الانفجار الديموغرافي الهائل الذي تعيشه دول مثل نيجيريا، وحالة الفقر والحاجة في هذه المناطق. يجب ألا ننسى أن دول إفريقيا الغربية لوحدها يعيش بها ما يقارب نصف مليار نسمة، وأن هذا الرقم مرشح للارتفاع كل سنة. وأن هذا العدد هو ثلث سكان افريقيا بمجملها هذه الدول التي تعد، مع الأسف، في طليعة مصدري الهجرة السرية نحو أوربا هي نفسها التي تمد الجماعات المتطرفة وعصابات التهريب بالعناصر البشرية التي تستعملها في عملياتها المختلفة.
لذلك، فإن حربا أهلية في الصحراء على أبواب إفريقيا الغربية وعلى مشارف أوربا، لن تكون وبالا على الجزائر وحدها، ولكن سوف تشعل منطقة بكاملها. هناك من يتوقع أن حربا كهذه سوف تغير الوجه الديموغرافي والإثني لدول عدة، وربما كل دول شمال البحر الأبيض المتوسط وبالخصوص إسبانيا في المقام الأول ثم فرنسا وإيطاليا بعد ذلك .لن يصل إلى هذه البلدان أناس يبحثون عن العمل فقط، بل سيصلها، وبأعداد كبيرة، كذلك معطوبون جسديا ونفسيا، شيوخ وعجزة وعدد كبير من غير المتعلمين. المسألة لا تهم المغرب لوحده إذن؛ كان مخاطبي ينظر إلي ويتابعني باهتمام، وكأنه فكر في كل ما قلته قبل اليوم.
موليم العروسي
مستشار علمي بهيئة التحرير