ساعات بعد صدور البلاغ الملكي، والذي أوكل مهمة إصلاح مدونة الأسرة للجنة ثلاثية مكونة من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنيابة العامة، حتى انطلق النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي حول فصولها وموادها وما جاء فيها بخصوص كل محور من محاورها .وفيما ثمن البعض هذه التعديلات الجديدة وأشاد بها، وانتشى بما جاءت به من مكاسب وحقوق، انبرى آخرون للمعارضة، وتركوا الحديث عن الزلزال وكأس إفريقيا 2025 والجزائر ليتفرغوا لمناقشة مضامين المدونة الجديدة، وبيان خطرها على الأسرة والمجتمع .بعضهم انطلق، طبعا، في مسلسل الولولة والنحيب والبكاء على ضياع الإسلام وخراب الشريعة بسبب فصول المدونة، محرضا طبعا “الدعاة“ و“الشيوخ“ و“طلبة العلم“ على النفير، والقيام قومة رجل واحد، للتصدي لهذا القانون الجديد الذي سيحول بلدنا إلى “دولة علمانية“.
العجيب أن ملك البلاد نفسه، راعي هذا الورش والقائم عليه، بصفته أميرا للمؤمنين وبصفته رئيسا للدولة، ليس معه أي خبر بهذه المدونة التي يتحدثون عنها، والفصول التي يروجون لها، فضلا عن أن تكون اللجنة التي لا زالت تضع منهجية العمل وتحدد طريقة الاشتغال على علم بأي شيء مما يروج وينتشر، الصحيح في الموضوع طبعا أن اللجنة الثلاثية قد كلفت من طرف الملك، وستباشر عملها بالاستماع إلى كل المعنيين، من مؤسسات وباحثين ومختصين، ثم تنتهي إلى وضع مقترح قانون في الموضوع، تطرحه الحكومة أمام البرلمان لمناقشته والتصويت عليه، في مدة حددها البلاغ بستة أشهر، يومها يمكن أن نناقش التعديلات المقترحة ومدونة الأسرة الجديدة.
دعونا من الإشاعات والتسريبات المزعومة، ولنقارن ما جاء في البلاغ الملكي بما كان عليه الأمر سابقا، سواء مدونة الأحوال الشخصية لسنة 1957، أو مدونة الأسرة لعام 2004، أول ملاحظة يمكن التقاطها، هو التقليص الواضح لدور المؤسسات الفقهية والفقهاء في الإشراف على التعديل. ففي مدونة الأحوال الشخصية تم تكوين لجنة مشتركة بين فقهاء جامعة القرويين وقضاة المحاكم الشرعية، ولم تكن معهم أي امرأة، وحتى اللجنة التي كلفت بصياغة مدونة الأسرة هيمن عليها الفقهاء، مع تمثيلية جد محدودة للمرأة وبعض التخصصات الأخرى، ما يعني أن اللجوء اليوم لوزارة العدل والسلطة القضائية والنيابة العامة هو تركيز على البعد القانوني والقضائي في الموضوع، وهو ما نص عليه البلاغ نفسه.
لا يمكن، أيضا، عدم الوقوف على ما جاء في البلاغ من حث لجنة الإشراف على إشراك المؤسسات الدستورية المعنية، وهي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس العلمي الأعلى، ووزارة التضامن، فهي إحالة على مؤسسات دستورية، حتى الرأي الفقهي لا يعتمد منه إلا كان صادرا من المجلس العلمي الأعلى، وهو تكريس لما سبقت الإشارة إليه، من أن هذه اللجنة هي لجنة قانونية، بعيدا عن أي تجاذبات إيديولوجية أو سياسية.
أخيرا تم تحديد مدة عمل اللجنة في أجل أقصاه ستة أشهر، ستحال مخرجاتها بعد ذلك على الحكومة لإعداد مشروع قانون في الموضوع، يحال بعدها إلى البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه في إطار مسطرة التشريع العادية، وهو تكريس وتطوير لما بدأ به العمل سنة 2004، حيث تتوجه الدولة نحو اعتبار قانون الأسرة قانونا مدنيا محضا، قابلا للتغيير والتعديل حسب ما تقتضيه المصلحة.
عموما، نحن أمام ستة أشهر من العمل الجاد والدؤوب، من أجل الخروج بمدونة أسرية تحقق الانسجام بين مرجعية الدولة وهويتها، والاتفاقات والمعاهدات الدولية التي التزم المغرب اختيارا بالوفاء بها، وتحقق التوافق بين كل فئات المجتمع، بعيدا عن صراعات الذكورية والنسوية، وأنصار التراث ودعاة الحداثة.
محمد عبد الوهاب رفيقي