الحديث عن سيرة ابن رشد ومكانته في العالمين الغربي والعربي ليس بالهيّن؛ فالرجل قامة علمية سامقة ومعقدة في الآن نفسه، بالإضافة إلى كونه رجلا كان مقربا من أمور الحكم والسياسة في المغرب والأندلس. في هذا الحوار، يبسط الأستاذ المتخصص عبد النبي الحري جوانب من حياة ابن رشد وفلسفته، ويكشف ما اختلف حوله والتبس بين الدراسات المشرقية والدراسات المغربية.
في البداية، هل يمكن أن تحدثنا بشكل عام عن السياق السياسي والتاريخي) بالمغرب والأندلس(، الذي مهّد لظهور ابن رشد؟
أولا، أتوجه بالشكر إلى مجلة “زمان“ على هذه المبادرة الطيبة، التي تسلط فيها الأضواء لقرائها الكرام على علم من أعلام الفكر الفلسفي في العصر الإسلامي الكلاسيكي، وفي التاريخ الفلسفي بشكل عام، وهو فيلسوف قرطبة ومراكش أبو الوليد بن رشد، الذي نستطيع القول إنه ظهر في سياق تاريخي، يتميز بالتنافس بين مختلف أقطاب العالم الإسلامي وحواضره الرئيسة، بغداد والقاهرة وقرطبة والبصرة وفاس ومراكش والقيروان ودمشق وبخارى وأصفهان… حيث كانت تتوزع خارطة العالم الإسلامي دول متنافسة، يحدوها طموح إلى الهيمنة وتوحيد مختلف الإمارات والدول تحت سلطتها.
وماذا عن الجوانب التي صنعت منه تلك الشخصية البارزة: هل مثلا كونه ضليعا في الفقه، أو الطب أو الفلسفة.. أو تأثير إرث عائلته العلمية أو قربه من السلطة أو ماذا؟
ابن رشد، شأنه شأن كل مفكري العصر الوسيط، كان ذا ثقافة موسوعية متعددة الأبعاد، ابتدأت بالتعليم الديني، ومعرفة علوم الدين، من حفظ للقرآن الكريم، إلى الإحاطة بعلوم الحديث والتفسير والفقه، وأصول الفقه، وقد كانت أولى مختصراته، هي كتاب “المستصفى“ لأبي حامد الغزالي، والذي حققه أستاذنا جمال الدين العلوي تحت عنوان “الضروري في أصول الفقه“.
لكن هذه التربية التقليدية التي تلقاها ابن رشد، وما رافقها من تعليم تقليدي، لم تمنعه من الاطلاع على كتب الطب والفلسفة، والتي كان له شأن كبير فيها .ومما لا شك فيه، فإن انتماءه لأسرة علمية معروفة، مثل جده الذي كان من أبرز فقهاء المالكية، ووالده الذي كان رجل علم ومعرفة، قد ساعدته على النبوغ في مختلف هذه العلوم والمعارف، ومن أبرزها المعرفة الفقهية، والمعرفة الفلسفية، والمعرفة الطبية. كما تحكي عددا من الروايات عن احتضان السلطة الموحدية لابن رشد كفقيه، وتعيينه قاضي قضاة قرطبة، واحتضانه كفيلسوف، وتكليفه بمهمة رفع القلق عن مؤلفات أرسطو التي كانت متوفرة في الساحة الثقافية ببلاد الغرب الإسلامي، فضلا عن احتضانه كطبيب، هذه المهنة الجليلة التي لم يكن أي بلاط من بلاطات أمراء وملوك أي عصر ليخلو من أصحابها، نظرا لأهميتها القصوى بالنسبة لصحة الحاكم وسلامته البدنية.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 94-95 من مجلتكم «زمان»