عاش عبد الواحد الراضي أحداثا فارقة، في تاريخ المغرب الراهن، اختار تسليط الضوء عليها في مذكراته التي حررها الشاعر والكاتب حسن نجمي، وصدرت بعنوان ”المغرب الذي عشته”. على امتداد أكثر من 800صفحة، يعرض الراضي، من جهة، وقائع ومواقف عاشها أو شارك في صنعها، ويقدم، من جهة ثانية، إيضاحات حول السياقات السياسية الثقافية والاجتماعية التي جرت فيها تلك الأحداث والتطورات. منهجية تجعل المؤلف يكتسي أهميته مما يتضمنه من سرد وتحاليل، كما يستقيها من خصوصية الموقع الذي اتخذه الراضي طيلة مساره السياسي، موقع الاعتدال والواقعية، فضلا عن خصوصية علاقاته الشخصية مع الملك الراحل الحسن الثاني. هكذا يفصل الكاتب وجهة نظره حول الأسباب العميقة لأزمة حزب الاستقلال وانشقاقه، وارتباطها بالخلاف حول توزيع السلطة بين القصر ويسار الحزب، وما انتهى إليه هذا الخلاف من إرساء نمط الحكم المطلق منذ إعفاء حكومة اليسار في ،1960 والدخول في مرحلة لم تنته إلا مع الإصلاح الدستوري لسنة .2011 كما يعرض تفاصيل غنية عن الحياة البرلمانية المكثفة التي انتهت مع حالة الاستثناء، وخاصة كواليس وفصول معركة ملتمس الرقابة. مرورا بمراحل القمع والتوتر في السبعينات، فانتهاء بالمسار الطويل والمعقد للتوافق… لعلها وجهة نظر ضرورية، حين تتكامل مع وجهات نظر أخرى، لتشكيل صورة المغرب الراهن.
نادرا لدى السياسيين المغاربة. لماذا اخترت كتابة مذكراتك؟
لاحظت أن أغلبية الجيل الحالي لا تعرف الكثير من الأحداث التي عاشها الجيل الذي أنتمي إليه .وكثيرا ما يطرح علي بعض المثقفين والباحثين أسئلة حول أحداث معينة من تاريخ المغرب، وخاصة مرحلة ما بين سنتي 1956 و1960 أو مرحلة حالة الاستثناء أو غيرها، وقد ظهر لي أن ثمة حاجة للتعريف بتلك المراحل .كما لاحظت أن ما يقال عن بعض الأحداث، مثل “إيكس ليبان“ غير دقيق، ويجب رد الأمور إلى نصابها. هناك عنصر آخر، يتمثل في أنني ألاحظ نوعا من تبخيس السياسة والسياسيين وعزوف الشباب عن السياسة، فأردت أن أبين أن المغرب استطاع في وقت ما أن ينجب سياسيين من طراز رفيع يمكن أن يكونوا أمثلة تحتذى، وأنهم تحملوا مسؤولياتهم وقاموا بأدوارهم، ولا يمكن للأجيال المقبلة أن تواصل الطريق، إلا إذا عرفت جيدا ما وقع في الماضي.
تتحدث عن الوسط الاجتماعي والثقافي الذي نشأت فيه، وبداية إدراكك للفوارق بين قيم تقليدية وأخرى عصرية بفضل المدرسة العمومية. كيف تشكل لديك هذا الوعي؟
فعلا، الثقافة السائدة آنئذ كانت تخضع لاعتبارات خرافية في تفسير الكون والوقائع .التربية التقليدية كانت تقوم على المنع، كل شيء تقريبا كان ممنوعا، وكانت تجعل الأفراد تحت سيطرة المجتمع، وتخضعهم لقالب معين سواء كان يناسبهم أم لا .عندما التحقت بالمدرسة العمومية، اكتشفت عالما مختلفا تماما، عالم يملك فيه الفرد قيمة، وتتحدد مكانته داخل القسم قياسا لما يحققه من نتائج دراسية، وليس بالنظر لعائلته أو وسطه الاجتماعي. التربية في المسيد تخضع للحفظ والاستظهار، بينما يحق للتلميذ في القسم أن يسأل ويطلب المزيد من الشرح ليعبر عن رأيه، ويشجع على المشاركة في الدرس. فضلا عن الاستمتاع بالأناشيد والألعاب الرياضية، والتي كانت ممنوعة في المسيد أو داخل البيت. كنت أجد نفسي كمن ينتقل من عالم إلى آخر كلما جئت من المدرسة إلى البيت .بدأت أتساءل مع نفسي وأبحث عن كيف يمكن أن أفهم المجتمع، وكيف يمكن أن أنسجم معه، وعن القواعد التي تحدد التراتبيات القائمة وسطه، دون أن أجد أجوبة مقنعة. مما لا شك فيه أن هذا ما وجهني لاختيار الفلسفة، ومن ثمة التخصص في علم النفس الاجتماعي، الذي يهتم بدراسة نسق المجتمع وليس الأفراد فقط.
حاوره إسماعيل بلاوعلي
تتمة الحوار تجدونها في العدد 41 من مجلتكم «زمان»