للحديث عن تاريخ الفكر المغربي المعاصر والراهن، أو مقاربة مشاريع أصحابه وإشعاعها، ولتفكيك قضاياه المطروحة والمعلقة، يجيب الباحث والسوسيولوجي عثمان أشقرا، ضمن محاور الملف، عن أسئلة وقضايا تهمّ السلفية الوطنية والفكر الوطني، وكذا الفكرين الفلسفي والسوسيولوجي ومكانتهما خارج المغرب.
بالمغرب في ظل الأوضاع التي سادت بداية القرن العشرين؟
على امتداد النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عاش المغرب، عقب هزيمة “إيسلي“ سنة ،1844 مخاضا حقيقيا من أجل “الإصلاح“؛ إصلاح الجيش، إصلاح المالية، إصلاح الإدارة… لتبرز في مطلع القرن العشرين بوادر المطالبة بإصلاح سياسي واجتماعي تجلّى في تقديم “مشاريع دساتير“ أشهرها دستور “لسان المغرب“، وبروز نواة تنظيمية إصلاحية “حديثة“ (جمعية الاتحاد والترقي)، وتوّج الكل بقيام “الهبّة الوطنية“ التي جاءت بالسلطان مولاي عبد الحفيظ ضد أخيه مولاي عبد العزيز، مقيّدا ببيعة “دستورية“ هي الأولى من نوعها في تاريخ المغرب. بل يمكن الذهاب أبعد من ذلك، والإقرار بأن “بوارق“ فكرية محدودة جدا لاحت متمثلة في ملمح “ليبرالي“ (فكرة الدستور) وملمح تجديدي ديني (أحمد بن المواز ومحمد بن الحسن الحجوي) .والنتيجة ستكون، كما هو معروف، الفشل الذريع متمثلا في فرض الحماية الفرنسية–الإسبانية على المغرب. لكن من الناحية الفكرية، لم تندثر بوارق المطالبة بالإصلاح، بل تدعّمت وتحولت إلى تيار إصلاحي سلفي ذي نزعتين؛ واحدة مهادنة بدءا (سلفية مخزنية تجديدية)، وثانية معارضة لاحقا (سلفية وطنية جديدة).
عند الحديث عن “السلفية الوطنية” في المغرب، هل يمكن أن نتحدث عن سلفية “جديدة” منفصلة عن امتداد التيار السلفي القادم من المشرق؟
برزت السلفية المشرقية في مصر تحديدا عبر مرحلتين؛ مرحلة الإصلاح الاجتماعي مرتبطة خاصة باسم محمد عبده، ومرحلة المعارضة السياسية مرتبطة باسم رشيد رضا ثم الإخوان المسلمين في ما بعد. ومن يمكن نعتهم برواد النزعة المخزنية السلفية أبو شعيب الدكالي، محمد بن الحسن الحجوي …تفاعلوا إيجابا مع أفكار الإصلاح الاجتماعي، حيث من مواقعهم في السلطة المخزنية (الدكالي وزيرا للعدل، والحجوي وزيرا للتعليم)، حاربوا البدع (الطرقية) والعادات السيئة (المواسم الدينية)، وخطّطوا لإصلاح التعليم (نظام القرويين بالخصوص)، مع قبولهم المبدئي والمرحلي لنظام الحماية؛ رواد النزعة السلفية الوطنية الجديدة أي رواد الحركة الوطنية في الشمال والجنوب، طرحوا منذ البدء “المطالب السياسية“ التي ستختزل لاحقا في مطلب واحد هو الاستقلال الذي يعني عودة الشرعية إلى (الدولة المغربية = السلطان/المخزن)، من داخل مرجعية إيديولوجية فضفاضة مهيمنة باسم “سلفية جديدة“ أو “سلفية وطنية“ لا تعني أساسا مضمونا بعينه، ولكنها تبرز من خلال نصوص الفكر الوطني المغربي باعتبارها قاعدة ومنهج هذا الفكر ذاته من علال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني إلى عبد الله إبراهيم والمهدي بنبركة. بتعبير آخر فإن مضمون الفكر الوطني المغربي يبدو متعددا (تراثي، ليبرالي، يساري)، لكن خطاب اشتغاله هو واحد سلفي جديد.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 86 من مجلتكم «زمان»