غالبا ما يستأثر الرجال بالأضواء الكاشفة لأحداث، أو ظواهر معينة من التاريخ، رغم ما قد يكون للنساء من أدوار هامة في صناعة الأحداث أو التأثير فيها. فاطنة البيه واحدة من النساء اللواتي خرقن هذا التقليد، بأن وثقت لمساهمة المرأة في فترة صعبة من تاريخ المغرب الراهن. في ما يلي جولة مع ذاكرة البيه في بعض محطات مسارها.
ماذا تذكرين عن مراحل تعليمك الأولى؟
كنت من المحظوظات اللواتي استطعن ولوج المدرسة ومواصلة الدراسة لما بعد المرحلة الابتدائية، بالنظر للسياق السائد آنئذ. فقد كان الغالب أن تتوقف الفتيات عن الدراسة في حدود قسم الشهادة، أي السنة الخامسة ابتدائي، ليرجعن بعدها إلى ما يعتبر مكانهن الطبيعي أي الزواج، وما يزال هذا الواقع مستمرا إلى اليوم في البادية. لذلك، كنت محظوظة إذ أفلتت من هذا المصير بفضل والدي. كنت أعتقد أن سبب هذا الامتياز الذي خصني به والدي يرجع لما كان لديه من ضعف خاص إزائي، لكنني اكتشفت لاحقا أنه كان مؤمنا بأن للمرأة مكانة يجب احترامها، وهو ما يؤكده موقفه من كونه رزق بسبع بنات تواليا بعد الابن البكر. كانت التقاليد الشائعة، حينذاك، تعتبر هذا الأمر بمثابة سبة أو عار، حتى أن مولدة أمي أغمي عليها مرة عندما اكتشفت أنها تضع طفلة أخرى! لكن والدي كان يفرح كلما رزق بمولودة ويردد دائما مقولة: «إنه اصطفى البنات على البنين».
مع أنه كان فقيها تقليديا؟
فعلا، لكنه كان منفتحا، وهذا ما كنت ألمسه من خلال نقاشاتي معه، إذ كنت أتقاسم وإياه تطوري الفكري وكان يتقبل اختلافي عنه في عدد من الأفكار. كما أنه لم يتنكر لي عندما اعتقلت وعرفت مصيرا مختلفا عن مصير سائر النساء، مع ما يعنيه ذلك في سياق مجتمعي محافظ. فضلا عن كونه لم يتردد في أن يأخذني إلى الدارالبيضاء بعيدا عن المأوى الأسري لأتابع دراستي هناك ابتداء من المستوى الثانوي، في داخلية ثانوية شوقي بالدارالبيضاء، إذ لم يكن ذلك متاحا في منطقة بن أحمد حيث كانت تعيش الأسرة.
حاورها إسماعيل بلاوعلي
تتمة الملف تجدونها في العدد 51 من مجلتكم «زمان»