عبر تاريخهم الطويل، تمتع يهود المغرب بحس فكاهي معتمد على أسلوب السخرية والتهكم، وذلك خلال تخاطبهم أو تدوين أمثالهم ونكتهم وحكاياتهم وحتى في كتاباتهم التوراتية. ويقال إن أسلوب ”الطنز “هذا، لجأ إليه المغاربة اليهود من أجل التخفيف عن ظروف عيشهم وما كانوا يعانون منه أحيانا.
لم تخل مجتمعات من قبل من أسلوب السخرية والتهكم، إما على مستوى الحديث والتخاطب، أو على مستوى التدوين .وقد درج استعمال هذا الأسلوب كطريقة للمزاح أو للتعبير عن عدم الرضا عن وضع معين، أو لتسليط الضوء على شيء مهمل .وتم توظيفه في القصص والحكايات والأشعار وحتى في المرويات الدينية لدى الشعوب. يذكر تيري إيغلتون، صاحب كتاب “فلسفة الفكاهة“، أن أول أسلوب للضحك في الأدب ورد في الكتاب الأول من الإلياذة، «حيث سخرت الآلهة من إله النار هيفيستوس، بسبب مشيته العرجاء». كما استُعملت السخرية بكثرة في الأدب الأوربي خلال القرن ،18 «حتى صارت تضم صورا بلاغية موازية لها في الاستخدام “Sarcasm”، بل صارت مرادفة للهجاء Satire. وعلى الرغم من خضوع السخرية لتحليلات علم النفس الحديث وربطها بالغرائز والانتقام والغضب، إلا أن الباحثين يربطونها أكثر بالطبيعة الأدبية والبلاغية التي تحملها وتتحرك ضمنها، وكذلك بالطبيعة العقلانية (الواعية) فيها .لهذا، اعتبر هنري برغسون السخرية والفكاهة عموما هي “مسألة ذكاء وليست مسألة مشاعر». وفي التاريخ العربي، اعتُمد أسلوب السخرية في الشعر الجاهلي بشكل كثيف، وظل معتمدا في الأدب العربي باعتباره نقدا “يؤتى به للتعبير عن الضحك والاستهزاء والغضب والنصيحة والتهجم والانتقاص“. يعرّف الأديب المصري شوقي ضيف السخرية بأنها «أرقى أنواع الفكاهة، لما تحتاج إليه من ذكاء وخفاء ومكر» .يشير الباحثون إلى أنه من الصعب الوقوف على تعريف محدد للسخرية، أو حصرها في مجال جغرافي معين، كما أن تعييرها قد يختلف من زمن لآخر ومن بقاع لأخرى؛ إذ أن السخرية والتهكم اللذان يصلان لدرجة الاستهزاء، كان يندرج في فترات من الزمن في باب الهزل والمفاكهة، وأن ما كان يثير الضحك والاستهزاء بالأمس لم يعد مقبولا اليوم؛ نستحضر هنا مثلا لقصار القامة أو المشوّهين خلقة، الذين كانوا مدعاة للتهكم ومصدرا للبهجة في أوربا، وفق ما أورده فرانسيس بيكون.
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 115 من مجلتكم «زمان»