قبل أن يكون الطب الحديث ويتم تفسير الاختلالات العقلية على أنها أمراض نفسية وعوارض طبيعية لها ما يُعللها، اعتقدت الناس في مجتمعاتنا أن كل خلل مصدره الجن أو الأرواح الشريرة التي هي بالمرصاد للإنسان تلاحقه في كل وقت من أوقاته، وفي كل مكان يحل به.
الإيمان بالجن شيء راسخ في كل المجتمعات، وخاصة لدى ما يسمى بالشعوب السامية .ففي المشرق، جاءت الديانات السماوية لتؤكد معتقدا رافق الإنسان منذ البداية .فالإنسان بطبيعته يُرجع كل أمر يعجز عن تفسيره إلى عالم الغيبيات والمسببات غير المرئية.
هكذا، كنا في بدايتنا وما زلنا كذلك إلى اليوم مهما تطورنا وتمكن العلم الحديث منا. فالناس لا يأكلون إلا بعد التلفظ بالبسملة اعتقادا أن ذلك يجلب البركة ويطرد الأرواح الشريرة التي قد تسرق منه الطعام قبل أن يصل إلى فمه. بعضنا يتلفظ بعبارات أو آيات قرآنية عندما يدخل مكانا جديدا لا يبعث على الاطمئنان؟ أليس لطرد كل ما يتربص بنا من مخاطر لا نراها ولا نعلم عنها شيئا؟ وعندما يتشاجر شخصان أمامنا ألا نهرول إليهما لندعوهما إلى «لعن الشيطان» حتى يعودا إلى رشدهما ويُغلبان العقل؟ بل إننا في كلامنا العادي نطلب من الشخص أن «يلعن الشيطان» كلما صدر عنه تصرف غير معقول يوحي بأنه ربما أصبح في قبضة ذلك الشرير الذي أقسم أن لا يدع الإنسان ينعم بالراحة ما دام حيا.
من المعتقدات الراسخة لدى الإنسان أن الجن هم كائنات وجدت في هذا العالم قبل أن يحل به بنو البشر. فهم المالكون الأصليون للكون وما الإنسان إلا ضيف نازل عليهم، وبالتالي لا بد من استئذانهم عند الحلول بأي مكان لأول مرة .فهم الذين يسمحون لنا بالإقامة ولابد من طلب إذن «أهل المكان» قبل أن نتخذه مقرا لنا. والجن، مثل بني البشر، فيهم الطيب وفيهم الخبيث.
محمد المنصور
تتمة المقال تجدونها في العدد 101 من مجلتكم «زمان»